ولو شاء تعالى أن يهديكم وغيركم وجميع الناس بغير التعليم والإرشاد والنظر والاستدلال ، لفعل ، فجعلكم تؤمنون بالفطرة كالملائكة ، فلا يكون لكم دور في الاختيار ، والإرادة ، والتمييز بين الخير والشر ، والحق والباطل ، ويكون موقف مخالفيكم أيضا بمشيئة الله ، فلا يصح أن تعادوهم ، وعليكم أن توافقوهم ولا تخالفوهم ؛ لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام ٦ / ٣٥] وقوله عزوجل : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس ١٠ / ٩٩].
ثم أمر الله رسوله بمطالبة المشركين بأن يأتوا بشهود يشهدون على صحة ما يدعونه من تحريم الله هذه المحرمات ، فقال : (قُلْ : هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ ...) أي أحضروا شهداءكم الذين يشهدون لكم عن عيان أن الله حرم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه وكذبتم وافتريتم على الله فيه.
فإن شهدوا على سبيل الفرض ، فلا تصدقهم ، ولا تسلم لهم ، ولا تقبل لهم شهادة ؛ إذ لو سلم لهم ، فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم ، وكان واحدا منهم ، لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذبا وزورا ، فهم شهود زور كاذبون. ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآيات الله الدالة على وحدانيته وربوبيته ومنها حقه في التشريع والتحليل والتحريم ، ولا تتبع هؤلاء الجاهلين المتبعين لأهوائهم الذين لا يوقنون بمجيء الآخرة ، حتى يحملهم الإيمان على سماع الدليل إذا ذكر لهم ، وهم يشركون بربهم ، ويجعلون له عديلا يشاركه في جلب الخير ودفع الضر ، والحساب والجزاء.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يلي :