وتابع الله تقريع الظالمين وتهديد كافري الجن والإنس ، وبيان حالهم يوم القيامة ، حيث يسألهم ، وهو أعلم ، هل بلّغتهم الرسل رسالاته ، وهذا استفهام تقرير وتقريع وتوبيخ ، فقال : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ ...) أي يا جماعة الجن والإنس ، ألم يأتكم رسل منكم؟ أي من جملتكم ، والرسل من الإنس فقط ، وليس من الجن رسل ، كما قرر جمهور السلف والخلف ، وقد عبر بذلك من باب التغليب ، كما قال تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن ٥٥ / ٢٢] واللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان في عرف المتقدمين من المالح ، لا من الحلو ، ثم ثبت أن بعض الأنهار الحلوة الماء قد استخرج منها اللؤلؤ.
ويمكن أن يكون المراد رسل الإنس المعروفين ، ورسل الجن : وهم الذين كانوا يستمعون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم يذهبون لإنذار قومهم بما سمعوا : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الأحقاف ٤٦ / ٢٩] (قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ، فَقالُوا : إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ...) [الجن ٧٢ / ١].
ومهمة هؤلاء الرسل : أنهم يتلون على أقوامهم آيات الإيمان والأحكام والآداب ، وينذرونهم لقاء يوم الحشر وما فيه من الحساب والجزاء لمن يكفر بها ويجحدها.
فأجابوا عن السؤال ، وقالوا يوم القيامة : أقررنا بأن الرسل قد بلغونا رسالاتك ، وأنذرونا لقاءك ، وأن هذا اليوم كائن لا محالة ، ونظير الآية قوله تعالى : (قالُوا : بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ ، فَكَذَّبْنا وَقُلْنا : ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [الملك ٦٧ / ٩].
وخدعتهم الحياة الدنيا بزينتها ومتاعها من الشهوات والأموال والأولاد وحب السلطة ورفعة الجاه ، ففرطوا في حياتهم الدنيا ، وهلكوا بتكذيبهم الرسل ، وإنكار المعجزات ، كبرا وعنادا.