وكان يقال لشعيب خطيب الأنبياء ، لحسن مراجعة قومه. وكان قومه أهل كفر بالله وبخس للمكيال والميزان. والكفر جرم عظيم لا يتفق مع إنعام الله ، والبخس وهو النقص في آلة الكيل والوزن جرم اجتماعي ، يشمل تعييب السلعة ، والمخادعة في القيمة ، والاحتيال في زيادة الكيل والنقصان منه ، وكل ذلك من أكل المال بالباطل ، وهو منهي عنه في الأمم جميعها على لسان الرسل عليهمالسلام.
والإفساد في الأرض بعد الإصلاح جرم اجتماعي آخر في حق الإنسانية ، لأن صلاح الأرض بالعقيدة والأخلاق فيه خير للجميع ، وإفساد الأرض عدوان على الناس. قال ابن عباس : كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيبا رسولا يعمل فيها بالمعاصي ، وتستحلّ فيها المحارم ، وتسفك فيها الدماء ، فذلك فسادها ، فلما بعث الله شعيبا ودعاهم إلى الله صلحت الأرض. وكل نبي بعث إلى قومه فهو صلاحهم.
وحرم شعيب عليهم القعود على الطرقات لأخذ أموال الناس بالباطل ، فقد كانوا عشّارين ، ومثلهم اليوم المكّاسون (موظفوا الجمرك) الذين يأخذون من الناس مالا يلزمهم شرعا من الرسوم الجمركية بالقهر والجبر ، وذلك غصب وظلم وعسف على الناس وعمل للمنكر. وهذا يشبه عمل قطاع الطرق والمحاربين.
ومنعهم شعيب من محاولة ثني الناس عن قبول دعوته بالتهديد والوعيد والإنذار بقتل من يؤمن به ، وبإلقاء الشكوك والشبهات في دعوته ، وافتراء الكذب عليه.
وذكّرهم بنعم الله عليهم إذ كانوا قلة فكثروا ، وفقراء فاغتنوا ، وضعفاء فتقووا. ولفت نظرهم إلى ضرورة الاتعاظ بأحوال من سبقهم أو جاورهم من