وأراد بالكيل هنا : آلة الكيل وهو المكيال ، كما قال في سورة هود : (أَوْفُوا الْمِكْيالَ).
٤ ـ منع الخيانة للناس في أموالهم وأخذها دون حق ، قال تعالى إخبارا عن شعيب الذي يقال له : «خطيب الأنبياء» لفصاحة عبارته وجزالة موعظته : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) ، أي لا تنقصوهم شيئا في البيع خفية تدليسا ، كما قال تعالى في تهديده ووعيده : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ـ إلى قوله ـ (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين ٨٣ / ١ ـ ٦] والبخس : النقص بالتعييب والتزهيد ، أو المخادعة عن القيمة ، أو الاحتيال في التزيد في الكيل أو النقص منه.
والمراد أنه لما منع قومه من بخس (أي نقص) في الكيل والوزن في البيع ، منعهم بعد ذلك من البخس والتنقيص بجميع الوجوه ، ويدخل فيه المنع من الغصب والسرقة ، وأخذ الرشوة ، وقطع الطريق ، وسلب الأموال بطرق الاحتيال ، ونحو ذلك من المساومات ، والغش ولو في غير البيع ، ويشمل أيضا هضم الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل ، فلا يجوز لإنسان نقص آخر حقه في علم أو خلق أو فضيلة أو أدب ، وادعاء التفوق عليه حسدا وبغيا وكراهية. روي عن قوم شعيب أنهم كانوا إذا دخل الغريب بلدهم ، أخذوا دراهمه الجياد ، وقالوا : هي زيوف ، فيقطعونها قطعا ، ثم يأخذونها منه بنقصان ظاهر ، أو أعطوه بدلها زيوفا.
٥ ـ منع الإفساد ، قال : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) أي لا تفسدوا في الأرض بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائهم ، وهو على حذف مضاف أي بعد إصلاح أهلها.
والإصلاح عام يشمل العقيدة والسلوك والأخلاق ونظام المجتمع والحضارة والعمران وسائر وجوه التقدم الزراعي والصناعي والتجاري.