كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا : لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ ، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ، فَسَيَقُولُونَ : هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) [الأحقاف ٤٦ / ١١].
قال نوح مجيبا لهم : يا قوم ، ما أنا فيما أمرتكم به من توحيد الله وعبادته دون الأنداد بضال عن جادة الحق ، ولكن أنا رسول من رب العالمين إليكم ، ربّ كل شيء ومليكه ، أهديكم إلى سبيل الرشاد ، وأدعوكم إلى ما فيه سعادتكم في الدنيا والآخرة. والضلالة كما ذكر الزمخشري أخص من الضلال ، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه ، كأنه قال : ليس بي شيء من الضلال.
أبلغكم ما أرسلني به ربي من الدعوة إلى التوحيد الخالص ، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وما اشتمل عليه من جنة ونار ، وثواب وعقاب ، وأبيّن لكم أصول العبادات والمعاملات وأحكامها العامة وفضائل الأخلاق والآداب ، وفي الجملة : كل الأوامر والنواهي والمواعظ والزواجر والبشائر والنذائر.
وأنصح لكم نصحا خالصا من شوائب المصلحة والمكر ، بتحذيركم من عقاب الله على كفركم وتكذيبكم لي. روي مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال : «الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وأنا في هذا التبليغ والنصح أعلم من الله وشؤونه مالا تعلمون من مصير هذا العالم ، وإن إنذاري عاقبة الشرك بعذاب الدنيا ، ونصحي لكم ناشئ عن علم يقيني لا تعلمونه. وهذا شأن الرسول : أن يكون مبلّغا فصيحا ناصحا عالما بالله. ويكون المقصود من قوله : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) حمل القوم على أن يرجعوا إليه في طلب العلوم المتعلقة بتوحيد الله وصفات جلاله ، وعقابه الشديد في الدنيا والآخرة على عصيان أوامره.