في هذه الأشياء يصير محجوبا عن طلب الدين ، غرقا في طلب الدنيا (١).
وكان جزاء التلاعب واللهو والغرور ما قاله تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ ...) أي يعاملهم معاملة من نسيهم من الخير ؛ لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه ، كما قال تعالى : (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه ٢٠ / ٥٢] وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة كقوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة ٩ / ٦٧] وقوله : (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها ، وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه ٢٠ / ١٢٦].
فمعنى قوله (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) : نعاملهم معاملة الشيء المنسي ، فلا يذكرون بخير ، وإنما يتركون في النار. ومعنى (كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) : كما فعلوا بلقائه فعل الناسين ، فلم يخطر لهم ببال ولم يهتموا به ، وكما أنكروا آيات الله ، ورفضوا ما جاءت به الرسل.
والحاصل : أن الله تعالى يتركهم في عذاب النار ، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة ، وكما جحدوا بآيات الله.
وقد سمى الله جزاء نسيانهم بالنسيان من قبيل المشاكلة ، كما في قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى ٤٢ / ٤٠] والمراد من هذا النسيان : أنه لا يجيب دعاءهم ولا يرحمهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآية الأولى على أن شراب أهل الجنة وطعامهم ممنوع حرام على الكافرين. وهو تحريم قهر وعقاب.
ودلت الآية الثانية على إهمال الكافرين في عذاب جهنم ومعاملتهم معاملة المنسيين ، لنسيانهم واجباتهم نحو ربهم في الحياة الدنيا ، وعلل تعالى ذلك
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٤ / ٩٣