٤ ـ استحقاق إرث الجنة من جهة العدل بالعمل الصالح ، ففي قوله تعالى : (أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) دليل على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله. لكن دخولها يكون برحمة الله وفضله ، كما قال تعالى : (ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) [النساء ٤ / ٧٠] وقال : (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) [النساء ٤ / ١٧٥].
وجاء في صحيح مسلم : «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
يتبين من هذا أن إرث منازل الجنة بالعمل ، ودخولها بالرحمة والفضل الإلهي وهذا رأي القرطبي الذي قال : وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته ، فإذا دخلوها بأعمالهم ، فقد ورثوها برحمته ، ودخلوها برحمته ، إذا أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم (١). وهذا قريب من رأي ابن كثير ، فإنه قال : بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة ، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم (٢).
ويمكن التوفيق بنحو آخر أولى وهو أن عمل الإنسان مهما كثر لا يستحق به الجنة لذاته ، لو لا رحمة الله وفضله ، فإنه جعل الجزاء العظيم على العمل القليل ، فصار دخول الجنة برحمة الله وفضله.
والخلاصة : العمل الصالح في رأي أهل السنة لا بد منه لدخول الجنة في ميزان العدل وإيجاد تكافؤ الفرص بين جميع الناس ، لكن لا بد أن ينضم إليه رحمة الله وفضله ، فإنه جعل الجنة جزاء العمل فضلا منه ورحمة ، وكافأ على القليل بالكثير فضلا منه ورحمة ، لا أن ذلك مستحق عليه وواجب للعبادة وجوب الديون التي لا اختيار في أدائها ، كما فهم المعتزلة ؛ لأنه يستحيل عقلا إيجاب شيء على الله تعالى.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٧ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩
(٢) تفسير ابن كثير : ٢ / ٢١٥