بَعْضاً) [العنكبوت ٢٩ / ٢٥] ، وهكذا يلعن أصناف الكفار بعضهم بعضا ، ويتبرّأ بعضهم من بعض ، كما قال تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ، وَرَأَوُا الْعَذابَ ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ، وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا : لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا ، كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ، وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة ٢ / ١٦٦ ـ ١٦٧].
حتى إذا تداركوا وتلاحقوا في النّار ، واجتمعوا فيها كلّهم ، قالت أخراهم دخولا أو منزلة ، وهم الأتباع والسّفلة ، لأولاهم منزلة أو دخولا ، وهم المتبوعون والقادة والرؤساء ، لأنهم أشدّ جرما من أتباعهم ، فدخلوا قبلهم ، قالت قولا يتضمن شكوى الأتباع إلى الله يوم القيامة ، لأنهم هم الذين أضلّوهم عن سواء السّبيل. قال الزّمخشري : معنى (لِأُولاهُمْ) : لأجل أولاهم ، لأن خطابهم مع الله ، لا معهم. أي قالوا في شأنهم وحقّهم ولأجل إضلالهم.
وتلك الشكوى أنهم يقولون مخاطبين الله : ربّنا هؤلاء السّادة أضلّونا عن الحقّ ، فأعطهم عذابا مضاعفا من النّار ، أي ضاعف عليهم العقوبة ، كما قال تعالى : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ : يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا. وَقالُوا : رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) [الأحزاب ٣٣ / ٦٦ ـ ٦٨].
فأجابهم الله : لكلّ منكم ومنهم عذاب مضاعف ، وقد فعلنا ذلك ، وجازينا كلّا بحسبه إما بالإضلال أو بالتقليد والضلال ، لأن كلّا من القادة والأتباع كانوا ضالّين مضلّين ، ولكنّكم لا تعلمون عذابهم. والضّعف : المثل الزّائد على مثله مرّة أو مرّات. وهو مثل قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) [النحل ١٦ / ٨٨] ، وقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت ٢٩ / ١٣] ، وقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل ١٦ / ٢٥].