المناسبة :
بعد أن أجاب الله تعالى عن شبهات الكفار ، وأثبت صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ذكر هنا أنه لا ينبغي الالتفات إلى ما يقوله الجهال ؛ لأنهم يسلكون سبيل الضلال ، ويتبعون الظنون الفاسدة ، وهذا المنهج بالتعبير الحديث تحييد لأهل الإسلام ، وتوفير لاستقلال شخصيتهم ، وإبراز ذاتيتهم ، بالرغم من أن أكثر أهل الأرض كانوا ضلالا بسبب غلبة الشرك على عقائدهم.
التفسير والبيان :
لا يلتفت في شرعة الحق والقرآن إلى مسالك أهل الضلال والشرك ؛ لاتباعهم الظنون الفاسدة ، وإن تطع يا محمد وكل من تبعك أكثر من في الأرض من الكفار والمشركين في أمور الدين ، وتخالف ما أنزل الله عليك ، يضلون عن دين الله ومنهجه وسبيله ، سبيل الحق والعدل والاستقامة ؛ إذ هم لا يتبعون إلا الأهواء والظنون الباطلة أو الكاذبة ، ولا يقيمون وزنا للبراهين الإلهية ، والأدلة العقلية ، وإن هم إلا يحزرون ويحدسون أو يخمنون تخمينا عاريا عن الصحة والحقيقة كخارص ثمر النخل والعنب وغيرهما ، فاعتقادهم قائم على الحدس والتخمين ، لا على البرهان والدليل.
وهذا يدل على أن أكثر أهل الأرض كانوا ضلالا في الاعتقاد فلازموا الشرك ، وفي النبوات فأنكروها ، وفي الأحكام التشريعية كإحلال الميتة والدم والخمر وتحريم المواشي البحائر والسوائب والوصائل. وهذا كقوله تعالى : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) [الصافات ٣٧ / ٧١] وقوله : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف ١٢ / ١٠٣].
وإن ربك يعلم بالضالين عن سبيله القويم ، ويعلم أيضا بالمهتدين السالكين سبيل الاستقامة ، وليس كما يزعم المشركون. وهذا تحذير مؤكد لما سبق من