فالمراد بذلك كله آدم عليهالسلام ، وهو اختيار ابن جرير الطبري أيضا (١). قال ابن كثير : وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر.
وروى الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أنه قال: «خلقوا في أصلاب الرجال ، وصوروا في أرحام النساء» وقال أي الحاكم : صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. فيكون معنى الآية : ولقد خلقناكم في ظهر آدم عليهالسلام أمثال الذّر ، ثم صورناكم أي في الأرحام.
قال القرطبي : الصحيح من الأقوال ما يعضده التنزيل ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون ٢٣ / ١٢] يعني آدم. وقال : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [النساء ٤ / ١] ثم قال : (جَعَلْناهُ) أي جعلنا نسله وذريته (نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) [المؤمنون ٢٣ / ١٣] فآدم خلق من طين ثم صوّر وأكرم بالسجود ، وذريته صوّروا في أرحام الأمهات بعد أن خلقوا فيها وفي أصلاب الآباء (٢). وهذا موافق لرأي الرازي والطبري ، ومبيّن تصوير بني آدم ، وهو جمع حسن بين الخلقين.
وأما السجود لآدم فمتفق عليه لقوله تعالى : (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ : اسْجُدُوا لِآدَمَ) أي وبعد إتمام خلق آدم أمرنا الملائكة بالسجود له سجود تحية وتكريم له ولذريته لا سجود عبادة ؛ إذ لا معبود إلا الله وحده ، وذلك حتى يعرفوا نعم الله عليهم ، فيشكروها ، وليحذروا إبليس ووساوسه بعد ما فعله قديما.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس الذي كان من الجن لا من الملائكة أبى واستكبر ، ولم يكن مع الساجدين.
فسأله الله : ما منعك ألا تسجد؟ أي ما منعك وحال بينك وبين السجود؟
__________________
(١) تفسير الطبري : ٥ / ٩٤
(٢) تفسير القرطبي : ٧ / ١٦٩