(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي وما كان إبراهيم من المشركين أبدا ، وإنما كان مؤمنا بالله ، موحدا إياه ، مخلصا له عبادته.
فأما من يعتقد أن الملائكة بنات الله ، أو عزيز ابن الله ، أو عيسى المسيح ابن الله ، فهؤلاء هم المشركون البعيدون عن ملة إبراهيم ، كما قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ، وَهُوَ مُحْسِنٌ ، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ، وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء ٤ / ١٢٥].
هذا هو الدين الحق دين الإخلاص والعبادة لله وحده ، وهو الذي بعث به جميع الأنبياء والرسل ، وهذا مخالف لما كان عليه مشركو العرب وزعماء قريش الذين يلقبون أنفسهم «الحنفاء» مدّعين أنهم على ملة إبراهيم ، وهو أيضا مخالف لما عليه أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين يدعون أنهم أتباع ملة إبراهيم وأتباع موسى وعيسى ، وذلك بدليل رد الله تعالى عليهم بقوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا ، وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً ، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران ٣ / ٦٧].
لذا فإن دعوة الإسلام هي ملتقى جميع الأنبياء ، وهو الدين المقبول عند الله كما قال : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران ٣ / ١٩] وقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً ، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [آل عمران ٣ / ٨٥].
ثم يأمر الله نبيه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ، ويذبحون لغير اسمه : بأنه مخالف لهم في ذلك ، فإن صلاته لله ، ونسكه على اسم الله وحده لا شريك له ، مثل قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر ١٠٨ / ٢] أي أخلص له صلاتك وذبحك ، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها ، فأمره الله بمخالفتهم ، وإخلاص القصد والنية والعزم والعمل لله تعالى.