وليس في الآية ما يرجّح أحد الرّأيين على الآخر ، بل فيها ما يشهد لكلّ من الرّأيين ، فالرّأي الأول يدلّ عليه تسمية كلّ منهما حكما والحكم هو الحاكم ، والحاكم متمكن من الحكم. والرأي الثاني يدلّ عليه أنه تعالى لم يفوّض إليهما إلا الإصلاح ، وما عدا ذلك غير مفوض إليهما. وبما أن المسألة اجتهادية فالقياس يقتضي ترجيح الرّأي الثاني ؛ لأن الزوجين غير مجبرين على شيء من طلاق أو افتداء قبل التحكيم ، فلا يجبرهما الحكم على شيء بعد التّحكيم ، ويكون كلّ من إيقاع الرّجل الطّلاق ، وبذل المال من الزوجة منوطا برضاهما. فإن اختلف الحكمان لم ينفذ قولهما ولم يلزم شيء إلا ما اتّفقا عليه. ويجوز للزوجين تحكيم شخص واحد ، وينفذ حكمه لرضاهما مسبقا به.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلّت الآيتان على ما يلي :
١ ـ إثبات القوامة في الأسرة للرجل ، وتفضيل الرجل على المرأة في المنزلة والشرف.
٢ ـ العجز عن النفقة يسقط القوامة للرجل ، ويمنح المرأة الحق في فسخ العقد ، لزوال المقصود الذي شرع لأجله الزواج ، للآية : (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ). وفي قوله تعالى هذا أيضا دلالة واضحة على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة ، وهو مذهب مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة : لا يفسخ ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة ٢ / ٢٨٠].
٣ ـ للزوج الحق في تأديب زوجته ومنعها من الخروج ، وعلى الزوجة بقوله تعالى : (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) طاعة الزوج في غير معصية