وهل الأمر في قوله تعالى : (فَابْعَثُوا) للوجوب أو للندب والاستحباب؟ قال الشافعي : الأمر للوجوب ؛ لأنه من باب رفع الظلامات ، وهو من الفروض العامة والمتأكدة على القاضي ، وهو ظاهر الأمر.
أما كون الحكمين من أقارب الزوجين فهو على وجه الاستحباب ، ويجوز كونهما من الأجانب ؛ لأن مهمتهما وهي استطلاع حقيقة الحال بين الزوجين وإجراء الصلح بينهما والشهادة على الظالم منهما ، تتحقق بالأجنبي ، كما تتحقق بالقريب ، لكن الأولى كونهما من أهل الزوجين ، حفاظا على أسرار الحياة الزوجية ، ومنعا من التشهير بالسمعة ، ولأن الأقارب أعرف بحال الزوجين من الأجانب ، وأشدّ حرصا على الإصلاح ، وأبعد عن الميل إلى أحد الزوجين ، وأقرب إلى اطمئنان النفس إليهم.
وأما مهمة الحكمين : فهي في رأي الإمام مالك والشعبي وهو رأي علي وابن عباس الجمع والتفريق بين الزوجين ، وإلزامهما بذلك بدون إذنهما ، يفعلان ما فيه المصلحة من تطليق أو افتداء المرأة بشيء من مالها. ولا يملكان أكثر من طلقة واحدة بائنة. قال ابن العربي في قوله تعالى : (حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) : هذا نصّ من الله سبحانه في أنهما قاضيان لا وكيلان(١).
ورأى الشافعية والحنابلة : أنه ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضا الزوجين ، فهما عندهم وكيلان للزوجين.
وقال الحنفية : يرفع الحكمان ما يريدانه إلى القاضي ، وهو الذي يطلّق طلاقا بائنا ، بناء على تقريرهما ، فليس للحكمين التفريق إلا أن يفوضا فيه. ويكون رأي الحنفية كالشافعية والحنابلة.
__________________
(١) أحكام القرآن : ١ / ٤٢٤