ولكن نبيهم بسبب معرفته لهم وتجربته معهم قال لهم : أتوقع منكم التخلي عن القتال إن فرض عليكم ، فردوا عليه : أي شيء يدعونا إلى ترك القتال ، وقد أخرجنا من ديارنا وأوطاننا ، ومنعنا من أبنائنا ، واغتربنا عنهم؟!
فلما فرض عليهم القتال كما طلبوا ، تخلفوا عن الجهاد وجبنوا وأعرضوا إلا قليلا منهم ، عبروا النهر مع طالوت ، وانتحلوا المعاذير ، ولكن الله عليم بالذين يظلمون أنفسهم ، بتركهم الجهاد في سبيل الله ، دفاعا عن أمتهم ووطنهم ، وردا لحقهم المغتصب ، فصاروا أذلة في الدنيا ، معذبين في الآخرة.
ثم أوضح القرآن ما دار من نقاش بين شيوخ بني إسرائيل وبين نبيهم صمويل ، إذ طلبوا منه أن يختار لهم ملكا ، لأن أهل فلسطين تسلطوا عليهم ، وقتلوا منهم العدد الكثير ، وأخذوا تابوت عهد الرب ، وكانوا من قبل يستفتحون به (يطلبون الفتح والنصر به) على أعدائهم.
فحذرهم وأنذرهم ظلم الملوك ، فألحوا ، فاختار لهم طالوت (شاول) ملكا وقائدا حربيا.
فقالوا : كيف يكون ملكا علينا؟ وهو لا يستحق هذا الملك ، لأنه ليس من سلالة الملوك ولا من سلالة الأنبياء ، وقد كان الملك في سبط يهوذا بن يعقوب ، ومنهم داود وسليمان ، وكانت النّبوة في سبط لاوي بن يعقوب ، ومنهم موسى وهرون ، وهناك من هو أحق بالملك منه ، ولأنه فقير لا مال له فلا يستطيع الحكم ، وهذا قائم على وهم أن الغنى شرط أساسي في الملك ، وأن الملك حق موروث ، لا يتجاوز أبناء الملوك أو الأشراف ، حتى يخضع الناس له ، فقولهم (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا ..؟) كلام من تعنت وحاد عن أمر الله ، وهي عادة بني إسرائيل (١).
__________________
(١) البحر المحيط : ٢ / ٢٥٧