القرآن سمّى إسماعيل في مواضع غير قصة الذبح وسمّى إسحاق في مواضع ، ومنها بشارة أمه على لسان الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لوط ، وذكر اسمي إسماعيل وإسحاق أنهما وهبا له على الكبر ولم يسمّ أحدا في قصة الذبح قصدا للإبهام مع عدم فوات المقصود من الفضل لأن المقصود من القصة التنويه بشأن إبراهيم فأي ولديه كان الذبيح كان في ابتلائه بذبحه وعزمه عليه وما ظهر في ذلك من المعجزة تنويه عظيم بشأن إبراهيم وقال الله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت : ٤٦] وقال النبيصلىاللهعليهوسلم : «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم». روى الحاكم في «المستدرك» عن معاوية بن أبي سفيان أن أحد الأعراب قال للنبيصلىاللهعليهوسلم : يا ابن الذبيحين فتبسم النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يعني أنه من ولد إسماعيل وهو الذبيح وأن أباه عبد الله بن عبد المطلب كان أبوه عبد المطلب نذر : لئن رزقه الله بعشرة بنين أن يذبح العاشر للكعبة ، فلما ولد عبد الله وهو العاشر عزم عبد المطلب على الوفاء بنذره ، فكلّمه كبراء أهل البطاح أن يعدله بعشرة من الإبل وأن يستقسم بالأزلام عليه وعلى الإبل فإن خرج سهم الإبل نحرها ، ففعل فخرج سهم عبد الله ، فقالوا : أرض الآلهة ، أي الآلهة التي في الكعبة يومئذ ، فزاد عشرة من الإبل واستقسم فخرج سهم عبد الله ، فلم يزالوا يقولون : أرض الآلهة ويزيد عبد المطلب عشرة من الإبل ويعيد الاستقسام ويخرج سهم عبد الله إلى أن بلغ مائة من الإبل واستقسم عليهما فخرج سهم الإبل فقالوا رضيت الآلهة فذبحها فداء عنه.
وكانت منقبة لعبد المطلب ولابنه أبي النبي صلىاللهعليهوسلم تشبه منقبة جدّه إبراهيم وإن كانت جرت على أحوال الجاهلية فإنها يستخلص منها غير ما حفّ بها من الأعراض الباطلة ، وكان الزمان زمان فترة لا شريعة فيه ولم يرد في السنة الصحيحة ما يخالف هذا. إلا أنه شاع من أخبار أهل الكتاب أن الذبيح هو إسحاق بن إبراهيم بناء على ما جاء في «سفر التكوين» في «الإصحاح» الثاني والعشرين وعلى ما كان يقصّه اليهود عليهم ، ولم يكن فيما علموه من أقوال الرسول صلىاللهعليهوسلم ما يخالفه ولا كانوا يسألونه.
والتأمّل في هذه الآية يقوّي الظن بأن الذبيح إسماعيل ، فإنه ظاهر قوي في أن المأمور بذبحه هو الغلام الحليم في قوله : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات : ١٠١] وأنه هو الذي سأل إبراهيم ربه أن يهب له فساقت الآية قصة الابتلاء بذبح هذا الغلام الحليم الموهوب لإبراهيم ، ثم أعقبت قصته بقوله تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ) نبيئا (مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات : ١١٢] ، وهذا قريب من دلالة النص على أن إسحاق هو غير الغلام الحليم الذي