التكليف لعلمت مرتبته في الطاعة والصبر وقوة اليقين.
وجملة (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) في محل العلة لجملة (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) على نحو ما تقدم في موقع جملة (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات : ٨١] في قصة نوح.
وجواب (فَلَمَّا أَسْلَما) محذوف دل عليه قوله : (وَنادَيْناهُ) ، وإنما جيء به في صورة العطف إيثارا لما في ذلك من معنى القصة على أن يكون جوابا لأن الدلالة على الجواب تحصل بعطف بعض القصة دون العكس ، وحذف الجواب في مثل هذا كثير في القرآن وهو من أساليبه ومثله قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي) غيابات (الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ، وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) [يوسف : ١٥ ، ١٦].
وجملة (وَفَدَيْناهُ) يظهر أنها من الكلام الذي خاطب الله به إبراهيم.
والمعنى : وقد فدينا ابنك بذبح عظيم ولو لا هذا التقدير تكون حكاية نداء الله إبراهيم غير مشتملة على المقصود من النداء وهو إبطال الأمر بذبح الغلام.
والفدى والفداء : إعطاء شيء بدلا عن حق للمعطى ، ويطلق على الشيء المفدى به من إطلاق المصدر على المفعول. وأسند الفداء إلى الله لأنه الآذن به ، فهو مجاز عقلي ، فإن الله أوحى إلى إبراهيم أن يذبح الكبش فداء عن ذبح ابنه وإبراهيم هو الفادي بإذن الله ، وابن إبراهيم مفدى.
والذبح بكسر الذال : المذبوح ووزن فعل بكسر الفاء وسكون عين الكلمة يكثر أن يكون بمعنى المفعول مما اشتق منه مثل : الحب والطحن والعدل.
ووصفه ب (عَظِيمٍ) بمعنى شرف قدر هذا الذبح ، وهو أن الله فدى به ابن رسول وأبقى به من سيكون رسولا فعظمه بعظم أثره ، ولأنه سخره الله لإبراهيم في ذلك الوقت وذلك المكان.
وقد أشارت هذه الآيات إلى قصة الذبيح ولم يسمه القرآن لعله لئلا يثير خلافا بين المسلمين وأهل الكتاب في تعيين الذبيح من ولدي إبراهيم ، وكان المقصد تألف أهل الكتاب لإقامة الحجة عليهم في الاعتراف برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم وتصديق القرآن ، ولم يكن ثمة مقصد مهمّ يتعلق بتعيين الذبيح ولا في تخطئة أهل الكتاب في تعيينه ، وأمارة ذلك أن