(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١))
الفاء تفريع على قوله : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) [الصافات : ٦] باعتبار ما يقتضيه من عظيم القدرة على الإنشاء ، أي فسلهم عن إنكارهم البعث وإحالتهم إعادة خلقهم بعد أن يصيروا عظاما ورفاتا ، أخلقهم حينئذ أشدّ علينا أم خلق تلك المخلوقات العظيمة؟
وضمير الغيبة في قوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ) عائد إلى غير مذكور للعلم به من دلالة المقام وهم الذين أحالوا إعادة الخلق بعد الممات. وكذلك ضمائر الغيبة الآتية بعده وضمير الخطاب منه موجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي فسلهم ، وهو سؤال محاجة وتغليط.
والاستفتاء : طلب الفتوى بفتح الفاء وبالواو ، ويقال : الفتيا بضم الفاء وبالياء. وهي إخبار عن أمر يخفى عن غير الخواصّ في غرض ما. وهي :
إمّا إخبار عن علم مختص به المخبر قال تعالى : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ) [يوسف : ٤٦] الآية ، وقال : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] ، وتقدم في قوله : (الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) في سورة يوسف [٤١].
وإمّا إخبار عن رأي يطلب من ذي رأي موثوق به ومنه قوله تعالى : (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) في سورة النمل [٣٢].
والمعنى : فاسألهم عن رأيهم فلما كان المسئول عنه أمرا محتاجا إلى إعمال نظر أطلق على الاستفهام عنه فعل الاستفتاء.
وهمزة : (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) للاستفهام المستعمل للتقرير بضعف خلق البشر بالنسبة للمخلوقات السماوية لأن الاستفهام يؤول إلى الإقرار حيث إنه يلجئ المستفهم إلى الإقرار بالمقصود من طرفي الاستفهام ، فالاستفتاء في معنى الاستفهام فهو يستعمل في كل ما يستعمل فيه الاستفهام. و (أَشَدُّ) بمعنى : أصعب وأعسر.
و (خَلْقاً) تمييز ، أي أخلقهم أشدّ أم خلق من خلقنا الذي سمعتم وصفه.
والمراد ب (مَنْ خَلَقْنا) ما خلقه الله من السماوات والأرض وما بينهما الشامل للملائكة والشياطين والكواكب المذكورة آنفا بقرينة إيراد فاء التعقيب بعد ذكر ذلك ، وهذا كقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) [النازعات : ٢٧] ونحوه.