بمعنى المقابلة والمواجهة ، أي حشرنا كلّ شيء من ذلك عيانا. وقرأه الباقون ـ بضمّ القاف والباء ـ وهو لغة في قبل بمعنى المواجهة والمعاينة ؛ وتأوّلها بعض المفسّرين بتأويلات أخرى بعيدة عن الاستعمال ، وغير مناسبة للمعنى.
و (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) هو أشدّ من (لا يؤمنون) تقوية لنفي إيمانهم ، مع ذلك كلّه ، لأنّهم معاندون مكابرون غير طالبين للحقّ ، لأنّهم لو طلبوا الحقّ بإنصاف لكفتهم معجزة القرآن ، إن لم يكفهم وضوح الحقّ فيما يدعو إليه الرّسول عليه الصلاة والسلام. فالمعنى : الإخبار عن انتفاء إيمانهم في أجدر الأحوال بأن يؤمن لها من يؤمن ، فكيف إذا لم يكن ذلك. والمقصود انتفاء إيمانهم أبدا.
(وَلَوْ) هذه هي المسماة (لَوْ) الصهيبية ، وسنشرح القول فيها عند قوله تعالى: (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) في سورة الأنفال [٢٣].
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء من عموم الأحوال التي تضمّنها عموم نفي إيمانهم ، فالتّقدير : إلّا بمشيئة الله ، أي حال أن يشاء الله تغيير قلوبهم فيؤمنوا طوعا ، أو أن يكرههم على الإيمان بأن يسلّط عليهم رسوله صلىاللهعليهوسلم ، كما أراد الله ذلك بفتح مكّة وما بعده. ففي قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) تعريض بوعد المسلمين بذلك ، وحذفت الباء مع «أن».
ووقع إظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار : لأنّ اسم الجلالة يومئ إلى مقام الإطلاق وهو مقام (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] ، ويومئ إلى أنّ ذلك جرى على حسب الحكمة لأنّ اسم الجلالة يتضمّن جميع صفات الكمال.
والاستدراك بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) راجع إلى قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) المقتضي أنّهم يؤمنون إذا شاء الله إيمانهم : ذلك أنّهم ما سألوا الآيات إلّا لتوجيه بقائهم على دينهم ، فإنّهم كانوا مصمّمين على نبذ دعوة الإيمان ، وإنّما يتعلّلون بالعلل بطلب الآيات استهزاء ، فكان إيمانهم ـ في نظرهم ـ من قبيل المحال ، فبيّن الله لهم أنّه إذا شاء إيمانهم آمنوا ، فالجهل على هذا المعنى : هو ضدّ العلم. وفي هذا زيادة تنبيه إلى ما أشار إليه قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) من أنّ ذلك سيكون ، وقد حصل إيمان كثير منهم بعد هذه الآية. وإسناد الجهل إلى أكثرهم يدلّ على أنّ منهم عقلاء يحسبون ذلك.
ويجوز أن يكون الاستدراك راجعا إلى ما تضمّنه الشّرط وجوابه : من انتفاء إيمانهم