والتّعريف في (الظَّالِمُونَ) للاستغراق ، فيشمل هؤلاء الظّالمين ابتداء ، والضّمير المجعول اسم (إنّ) ضمير الشأن تنبيها على الاهتمام بهذا الخبر وأنّه أمر عظيم.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦))
عطف على نظائره ممّا حكيت فيه أقوالهم وأعمالهم من قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] وقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام : ١٠٠] وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) [الأنعام : ١٠٩] وقوله : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) [الأنعام : ١٢٤] وما تخلّل ذلك فهو إبطال لأقوالهم ، ورد لمذاهبهم ، وتمثيلات ونظائر ، فضمير الجماعة يعود على المشركين الّذين هم غرض الكلام من أوّل السّورة من قوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام : ١]. وهذا ابتداء بيان تشريعاتهم الباطلة ، وأوّلها ما جعلوه حقّا عليهم في أموالهم للأصنام : ممّا يشبه الصّدقات الواجبة ، وإنّما كانوا يوجبونها على أنفسهم بالالتزام مثل النّذور ، أو بتعيين من الّذين يشرعون لهم كما سيأتي.
والجعل هنا معناه الصّرف والتّقسيم ، كما في قول عمر في قضيّة : ما أفاء الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم المختصم فيها العبّاس وعليّ رضياللهعنهم «فيجعله رسول الله مجعل مال الله» أي يضعه ويصرفه ، وحقيقة معنى الجعل هو التّصيير ، فكما جاء صيّر لمعان مجازية ، كذلك جاء (جعل) ، فمعنى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) : صرفوا ووضعوا لله ، أي عيّنوا له نصيبا ، لأنّ في التّعيين تصييرا تقديريا ونقلا. وكذلك قول النّبي صلىاللهعليهوسلم في حديث أبي طلحة : «أرى أن تجعلها في الأقربين» أي أن تصرفها إليهم ، وجعل هذا يتعدّى إلى مفعول واحد ، وهذه التّعدية هي أكثر أحوال تعديته ، حتّى أنّ تعديته إلى مفعولين إنّما ما في الحقيقة مفعول وحال منه.
ومعنى : (ذَرَأَ) أنشأ شيئا وكثّره. فأطلق على الإنماء لأنّ إنشاء شيء تكثير وإنماء. و (مِمَّا ذَرَأَ) متعلّق ب (جَعَلُوا) ، ومن تبعيضية ، فهو في معنى المفعول ، وما موصولة ، والإتيان بالموصول لأجل دلالة صلته على تسفيه آرائهم ، إذ ملّكوا الله بعض ملكه ، لأنّ ما ذرأه هو ملكه ، وهو حقيق به بلا جعل منهم.