الاستقبال. وليس المعنى : إن أطعتموهم في الإشراك بالله فأشركتم بالله إنّكم لمشركون ، لأنّه لو كان كذلك لم يكن لتأكيد الخبر سبب ، بل ولا للإخبار بأنّهم مشركون فائدة.
وجملة : (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) جواب الشرط ، ولم يقترن بالفاء لأنّ الشّرط إذا كان مضافا يحسن في جوابه التّجريد عن الفاء ، قاله أبو البقاء العكبري ، وتبعه البيضاوي ، لأنّ تأثير الشّرط الماضي في جزائه ضعيف ، فكما جاز رفع الجزاء وهو مضارع ، إذا كان شرطه ماضيا ، كذلك جاز كونه جملة اسميّة غير مقترنة بالفاء. على أنّ كثيرا من محقّقي النّحويين يجيز حذف فاء الجواب في غير الضّرورة ، فقد أجازه المبرّد وابن مالك في شرحه على «مشكل الجامع الصّحيح». وجعل منه قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة» على رواية إن ـ بكسر الهمزة ـ دون رواية ـ فتح الهمزة ـ.
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢))
الواو في قوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) عاطفة لجملة الاستفهام على جملة : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢٢] لتضمّن قوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) أنّ المجادلة ، المذكورة من قبل ، مجادلة في الدّين : بتحسين أحوال أهل الشّرك وتقبيح أحكام الإسلام الّتي منها : تحريم الميتة ، وتحريم ما ذكر اسم غير الله عليه. فلمّا حذر الله المسلمين من دسائس أولياء الشّياطين ومجادلتهم بقوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١] أعقب ذلك بتفظيع حال المشركين ، ووصف حسن حالة المسلمين حين فارقوا الشّرك ، فجاء بتمثيلين للحالتين ، ونفى مساواة إحداهما للأخرى : تنبيها على سوء أحوال أهل الشّرك وحسن حال أهل الإسلام.
والهمزة للاستفهام المستعمل في إنكار تماثل الحالتين : فالحالة الأولى : حالة الّذين أسلموا بعد أن كانوا مشركين ، وهي المشبّهة بحال من كان ميّتا مودعا في ظلمات ، فصار حيّا في نور واضح ، وسار في الطّريق الموصّلة للمطلوب بين النّاس ، والحالة الثّانية : حالة المشرك وهي المشبّهة بحالة من هو في الظلمات ليس بخارج منها ، لأنّه في ظلمات.
وفي الكلام إيجاز حذف ، في ثلاثة مواضع ، استغناء بالمذكور عن المحذوف : فقوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) معناه : أحال من كان ميّتا ، أو صفة من كان ميّتا. وقوله : (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) يدلّ على أنّ المشبّه به حال من كان ميّتا في