وَلا حَرَّمْنا) ، فأظهر لهم من القول من يظهره المعجب بكلامهم. وقرينة التّهكّم بادية لأنّه لا يظنّ بالرّسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين أن يطلبوا العلم من المشركين ، كيف وهو يصارحهم بالتّجهيل والتّضليل صباح مساء.
والعلم : ما قابل الجهل ، وإخراجه الإعلام به ، شبهت إفادة المعلوم لمن يجهله بإخراج الشّيء المخبوء ، وذلك مثل التّشبيه في قول النّبي صلىاللهعليهوسلم : «وعلم بثّه في صدور الرّجال» ولذلك كان للإتيان : ب (عِنْدَكُمْ) موقع حسن ، لأنّ (عند) في الأصل تدلّ على المكان المختصّ بالذي أضيف إليه لفظها ، فهي ممّا يناسب الخفاء ، ولو لا شيوع استعمالها في المعنى المجازي حتّى صارت كالحقيقة لقلت : إنّ ذكر (عند) هنا ترشيح لاستعارة الإخراج للإعلام. وجعل إخراج العلم مرتّبا بفاء السّببيّة على العندية للدّلالة على أنّ السّؤال مقصود به ما يتسبّب عليه.
واللّام في : (فَتُخْرِجُوهُ لَنا) للأجل والاختصاص ، فتؤذن بحاجة مجرورها لمتعلّقها ، أي فتخرجوه لأجلنا : أي لنفعنا ، والمعنى : لقد أبدعتم في هذا العلم الذي أبديتموه في استفادتكم أنّ الله أمركم بالشّرك وتحريم ما حرّمتموه بدلالة مشيئة على ذلك إذ لو شاء لما فعلتم ذلك فزيدونا من هذا العلم.
وهذا الجواب يشبه المنع في اصطلاح أهل الجدل ، ولمّا كان هذا الاستفهام صوريا وكان المتكلّم جازما بانتفاء ما استفهم عنه أعقبه بالجواب بقوله : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ).
وجملة : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) مستأنفة لأنّها ابتداء كلام بإضراب عن الكلام الذي قبله ، فبعد أن تهكّم بهم جدّ في جوابهم ، فقال : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي : لا علم عندكم. وقصارى ما عندكم هو الظنّ الباطل والخرص. وهذا يشبه سند المنع في عرف أهل الجدل. والمراد بالظنّ الظنّ الكاذب وهو إطلاق له شائع كما تقدّم عند قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) في هذه السّورة [١١٦].
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩))
جواب عن قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨] تكملة للجواب السّابق لأنّه زيادة في إبطال قولهم ، وهو يشبه المعارضة في اصطلاح أهل الجدل.
وأعيد فعل الأمر بالقول لاسترعاء الأسماع لما سيرد بعد فعل : (قُلْ) وقد كرّر ثلاث مرات متعاقبة بدون عطف ، والنكتة ما تقدم من كون القول جاريا على طريقة