مَجْذُوذٍ) [هود : ١٠٨] فأبطل ظاهر الاستثناء بقوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) فهذا معنى الكناية بالاستثناء ، ثمّ المصير بعد ذلك إلى الأدلّة الدّالة على أنّ خلود المشركين غير مخصوص بزمن ولا بحال. ويكون هذا الاستثناء من تأكيد الشّيء بما يشبه ضدّه.
وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) تذييل ، والخطاب للنّبي صلىاللهعليهوسلم فإن كان قوله : (خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من بقية المقول لأولياء الجنّ في الحشر كان قوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) جملة معترضة بين الجمل المقولة ، لبيان أنّ ما رتّبه الله على الشّرك من الخلود رتّبه بحكمته وعلمه ، وإن كان قوله : (خالِدِينَ) إلخ كلاما مستقلا معترضا كان قوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) تذييلا للاعتراض ، وتأكيدا للمقصود من المشيئة من جعل استحقاق الخلود في العذاب منوطا بالموافاة على الشّرك. وجعل النّجاة من ذلك الخلود منوطة بالإيمان.
والحكيم : هو الّذي يضع الأشياء في مناسباتها ، والأسباب لمسبّباتها. والعليم : الّذي يعلم ما انطوى عليه جميع خلقه من الأحوال المستحقّة للثّواب والعقاب.
(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩))
وهو من تمام الاعتراض ، أو من تمام التذييل ، على ما تقدّم من الاحتمالين ، الواو للحال : اعتراضيّة ، كما تقدّم ، أو للعطف على قوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام :١٢٨].
والإشارة إلى التولية المأخوذة من : (نُوَلِّي) ، وجاء اسم الإشارة بالتّذكير لأنّ تأنيث التولية لفظي لا حقيقي ، فيجوز في إشارته ما جاز في فعله الرافع للظّاهر ، والمعنى : وكما ولّينا ما بين هؤلاء المشركين وبين أوليائهم نولّي بين الظّالمين كلّهم بعضهم مع بعض.
والتولية يجيء من الولاء ومن الولاية ، لأنّ كليهما يقال في فعله المتعدّي : ولّى ، بمعنى جعل وليا ، فهو من باب أعطى يتعدّى إلى مفعولين ، كذا فسّروه ، وظاهر كلامهم أنّه يقال : ولّيت ضبّة تميما إذا حالفت بينهم ، وذلك أنّه يقال : تولّت ضبة تميما بمعنى حالفتهم ، فإذا عدّي الفعل بالتضعيف قيل : ولّيت ضبة تميما ، فهو من قبيل قوله : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) [النساء : ١١٥] أي نلزمه ما ألزم نفسه فيكون معنى : (نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) نجعل بعضهم أولياء بعض ، ويكون ناظرا إلى قوله : (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) [الأنعام: ١٢٨]. وجعل الفريقين ظالمين لأنّ الذي يتولّى قوما يصير منهم ، فإذا جعل الله فريقا أولياء