من المفسّرين إلّا قول الكواشي في «تلخيص التفسير» : «وبعضهم يقف على (فَيُقْسِمانِ) ويبتدئ (بِاللهِ) قسما ولا أحبّه» ، وإلّا ما حكاه الصفاقسي في «معربه» عن الجرجاني «أنّ هنا قولا محذوفا تقديره : فيقسمان بالله ويقولان». ولم يظهر للصفاقسي ما الذي دعا الجرجاني لتقدير هذا القول. ولا أراه حمله عليه إلّا جعل قوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) من كلام الشاهدين. وجواب الشرط محذوف يدلّ عليه جواب القسم ، فإنّ القسم أولى بالجواب لأنّه مقدّم على الشرط.
وقوله (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) إلخ ، ذلك هو المقسم عليه. ومعنى (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) لا نعتاض بالأمر الذي أقسمنا عليه ثمنا ، أي عوضا ، فضمير به ، عائد إلى القسم المفهوم من (فَيُقْسِمانِ). وقد أفاد تنكير (ثَمَناً) في سياق النفي عموم كلّ ثمن. والمراد بالثمن العوض ، أي لا نبدّل ما أقسمنا عليه بعوض كائنا ما كان العوض ، ويجوز أن يكون ضمير (بِهِ) عائدا إلى المقسم عليه وهو ما استشهدا عليه من صيغة الوصي بجميع ما فيها.
وقوله : (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) حال من قوله (ثَمَناً) الذي هو بمعنى العوض ، أي ولو كان العوض ذا قربى ، أي ذا قربى منّا ، و «لو» شرط يفيد المبالغة فإذا كان ذا القربى لا يرضيانه عوّضا عن تبديل شهادتهما فأولى ما هو دون ذلك. وذلك أنّ أعظم ما يدفع المرء إلى الحيف في عرف القبائل هو الحميّة والنصرة للقريب ، فذلك تصغر دونه الرّشا ومنافع الذات. والضمير المستتر في (كانَ) عائد إلى قوله (ثَمَناً). ومعنى كون الثمن ، أي العوض ، ذا قربى أنّه إرضاء ذي القربى ونفعه فالكلام على تقدير مضاف ، وهو من دلالة الاقتضاء لأنّه لا معنى لجعل العوض ذات ذي القربى ، فتعيّن أنّ المراد شيء من علائقه يعيّنه المقام. ونظيره (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣]. وقد تقدّم وجه دلالة مثل هذا الشرط ب (لو) وتسميتها وصلية عند قوله تعالى : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) من سورة آل عمران [٩١].
وقوله (وَلا نَكْتُمُ) عطف على (لا نَشْتَرِي) ، لأنّ المقصود من إحلافهما أن يؤدّيا الشهادة كما تلقّياها فلا يغيّرا شيئا منها ولا يكتماها أصلا.
وإضافة الشهادة إلى اسم الجلالة تعظيم لخطرها عند الشهادة وغيره لأنّ الله لمّا أمر بأدائها كما هي وحضّ عليها أضافها إلى اسمه حفظا لها من التغيير ، فالتصريح باسمه تعالى تذكير للشاهد به حين القسم.