محالة. فتبيّن بهذا أنّ قوله : (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) روعي فيه النهي عن المجموع لكراهية بعض ذلك المجموع. والمقصود من هذا استئناسهم للإعراض عن نحو هذه المسائل ، وإلّا فإنّ النهي غير مقيّد بحال ما يسوءهم جوابه ، بدليل قوله بعده (عَفَا اللهُ عَنْها). لأنّ العفو لا يكون إلّا عن ذنب وبذلك تعلم أنّه لا مفهوم للصفة هنا لتعذّر تمييز ما يسوء عمّا لا يسوء.
وجملة (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) عطف على جملة (لا تَسْئَلُوا) ، وهي تفيد إباحة السؤال عنها على الجملة لقوله : (وَإِنْ تَسْئَلُوا) فجعلهم مخيّرين في السؤال عن أمثالها ، وأنّ ترك السؤال هو الأولى لهم ، فالانتقال إلى الإذن رخصة وتوسعة ، وجاء ب (إِنْ) للدلالة على أنّ الأولى ترك السؤال عنها لأنّ الأصل في (إن) أن تدلّ على أنّ الشرط نادر الوقوع أو مرغوب عن وقوعه.
وقوله : (حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) ظرف يجوز تعلّقه بفعل الشرط وهو (تَسْئَلُوا) ، ويجوز تعلّقه بفعل الجواب وهو (تُبْدَ لَكُمْ) ، وهو أظهر إذ الظاهر أنّ حين نزول القرآن لم يجعل وقتا لإلقاء الأسئلة بل جعل وقتا للجواب عن الأسئلة. وتقديمه على عامله للاهتمام ، والمعنى أنّهم لا ينتظرون الجواب عمّا يسألون عنه إلّا بعد نزول القرآن ، لقوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ـ إلى قوله ـ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [الأنعام : ٥٠] فنبّههم الله بهذا على أنّ النبي يتلقّى الوحي من علّام الغيوب. فمن سأل عن شيء فلينتظر الجواب بعد نزول القرآن ، ومن سأل عند نزول القرآن حصل جوابه عقب سؤاله. ووقت نزول القرآن يعرفه من يحضر منهم مجلس النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فإنّ له حالة خاصّة تعتري الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يعرفها الناس ، كما ورد يعلى بن أمية في حكم العمرة. ومما يدلّ لهذا ما وقع في حديث أنس من رواية ابن شهاب في «صحيح مسلم» أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صلّى لهم صلاة الظهر فلما سلّم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أنّ قبلها أمورا عظاما ثم قال : من أحبّ أن يسألني عن شيء فليسألني عنه فو الله لا تسألونني عن شيء إلّا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا. ثم قال : «لقد عرضت عليّ الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر» الحديث ، فدلّ ذلك على أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان ذلك الحين في حال نزول وحي عليه. وقد جاء في رواية موسى بن أنس عن أبيه أنس أنّه أنزل عليه حينئذ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) الآية. فتلك لا محالة ساعة نزول القرآن واتّصال الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعالم