الذي بعده.
قال سيبويه : " وقالوا : أبى يأبى فشبهوه بيقرأ"
أراد إنهم شبهوا الهمزة التي في أول أبى ، وهي فاء الفعل منها ، بالهمزة التي تكون لاما في مثل : قرأ يقرأ ، ففتحوا عين الفعل من أجل الفاء ، كما فتحوها من أجل اللام التي هي همزة.
قال : " وفي يأبى وجه آخر ، وهو أن يكون مثل حسب يحسب ، فتحا كما كسرا"
قال أبو سعيد : والفرق بين هذين الوجهين أن الأول كان التقدير فيه أبى يأبى ، ثم فتحت الألف عين الفعل ، كما قيل : صنع يصنع تشبيها للفاء باللام ، والوجه الثاني إنهم بنوه في الأصل على فعل يفعل ، كما بنوا في الأصل" حسب يحسب" على" فعل يفعل".
قال : " وقالوا : جبى يجبى ، وقلى يقلى ، فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه ، وأتبعوا به الأول ، كما قالوا : وعدّه ، يريدون وعدته ، وكما قالوا : مضّجع ، ولا نعلم إلا هذا الحرف ، وأما غير هذا فجاء على القياس مثل : عمر يعمر ، وهرب يهرب ، وحزر يحزر ، وقالوا : عضضت تعضّ"
قال أبو سعيد : حكى أبو إسحاق الزجاج عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أنه علل أبى يأبى فقال : إنما جاء على فعل يفعل ، لأن الألف من مخرج الهمزة. وقال : إن ما سبقه إليه أحد ، واستحسنه. وعندي أن ذلك غلط ؛ لأن الألف ليست بأصل في أبى يأبى ، وإنما هي منقلبة من ياء أبيت لانفتاح ما قبلها ، فإذا قلنا في الماضي أبى لانفتاح ما قبلها فحقّها أن تكون في المستقبل على يأبي ، كما تقول : أتى يأتي ، ورمى يرمي. وإنما تنقلب في المستقبل ألفا إذا فتحنا ما قبلها ، فإذا كان القياس يوجب إلا يفتح ما قبلها فلا سبيل إلى الألف التي من أجلها. قال الزجاج عن الفراء : زعم القاضي أنه جاء على فعل يفعل من أجل ذلك. وكلام سيبويه يدل على ما قلنا ، لأنه قال : " فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه ، وأتبعوه الأول ، كما قالوا : وعدّه".
يريد أتبعوا الفتحة في أبى يأبى الهمزة التي في أوله ، كما قالوا : وعدّه (فالأصل وعدته) ، فأتبعوا التاء الدال التي قبلها ، وكان القياس أن تكون الدال هي التابعة ، لأن الأول يتبع الأخير ، وكذا مضّجع أصله مضطجع ، وجعلوا الطاء تابعة للضاد.
ومعنى قوله : " ولا نعلم إلا هذا الحرف" فإن الإشارة إلى أبى يأبى فيما