الدّعاء إلى الطعام ، وقد كسروا المصدر كما كسروا في يفعل ، فقالوا : أتيتك عند مطلع الشمس ، أي عند طلوع الشمس ، وهذه لغة بني تميم. وأما أهل الحجاز فيفتحون ، وقد كسروا الأماكن أيضا في هذا ، كأنهم أدخلوا الكسر أيضا كما أدخلوا الفتح"
قال أبو سعيد : اعلم أن مذهب العرب في الأماكن والأزمنة كأنهم يبنونها على لفظ المستقبل ، فقالوا فيما كان المستقبل منه يفعل : المفعل للمكان والزمان ، كقولهم : المحبس والمجلس والمضرب. وقالوا فيما كان المستقبل منه يفعل : الملبس والمشرب والمذهب ، وكان يلزم على هذا أن يقال فيما كان المستقبل منه يفعل مفعل ، فيقال في المكان من قتل يقتل : المقتل ، ومن قعد يقعد : مقعد ، غير أنهم عدلوا عن هذا ؛ لأنه ليس في الكلام مفعل إلا بالهاء ، كقولك : مكرمة وميسرة ومقبرة ومسربة ، فعدلوا إلى أحد اللفظين الآخرين ، وهما مفعل أو مفعل ، فاختاروا مفعل حرفا ؛ لأن الفتح أخف ، وقد جاءت عن العرب أحد عشر حرفا على مفعل مما فعله على فعل يفعل ، وهي منسك ومحزر ومنبت ومطلع ومشرق ومغرب ، ومفرق ومسقط ومسكن ومرفق ومسجد ، كأنهم حملوا يفعل على يفعل ؛ لأنهما أخوان.
وقد ذكر بعض الكوفيين أنه قد جاء مفعل ، وأنشد في ذلك :
ليوم روع أو فعال مكرم (١)
وأنشد أيضا :
بثين الزمي لا ، إنّ لا إن لزمته |
|
على كثرة الواشين أيّ معون (٢) |
فقال بعضهم : معون في معنى معونة ، وأصله معون ، وقال بعضهم : معون جمع معونة ، وليس في شيء من ذلك ما يمنع ما قاله سيبويه ؛ لأن أصل الكلام مكرمة ومعونة وإنما اضطر الشاعر إلى حذف الهاء ، والنية الهاء ، ومثل هذا كثير في الشعر ، كقوله :
أما تريني اليوم أمّ حمز
يريد حمزة ، وقول الآخر :
أمال بن حنظل
يريد حنظلة.
قال سيبويه : " وأما المسجد فإنه اسم للبيت ، ولست تريد به موضع السجود
__________________
(١) منسوب لأبي الأخزر الحماني (راجز إسلامي) في شرح شواهد الشافية ٦٨ ، واللسان (كرم).
(٢) البيت في ديوانه ص : ٢١٢.