في الحمد أن تجعل قسطك من حمدك لبارئك قصياً مرتبتك الممكنة من الاتصاف بكمالات الوجود ، كالعلم والحكمة والجود والعدل مثلاً ، فيكون جوهر ذلك حينئذٍ أجمل الحمد لبارئك الوهاب سبحانه ، فإنك إذن تنطق بلسانك الحال كلّ صفة من تلك الصفات أنها فيك ظل صفته سبحانه ، وصنع هبة ذاته جلّ سلطانه بحسب نفس ذاته في تلك الصفة ، علىٰ أقصىٰ المراتب الكمالية.
فقد ذكرنا في سدرة المنتهىٰ وفي المعلقات علىٰ زبور آل محمد صلىاللهعليهوآله : أنّ الحمد في قوله تعالىٰ : ( الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) هو ذات كلّ موجود بما هو موجود ، وهوية كلّ جوهر عقلي بحسب مرتبته في الوجود وقسطه من صفات الكمال ؛ ولذلك كان عالم الأمر ـ وهو عالم الجواهر المفارقة ـ عالم الحمد وعالم التسبيح والتمجيد. ومنه في القرآن الحكيم : ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (٢) » (٣) انتهىٰ كلامه القمقام.
( وَلاَ حجَّةَ لي فيما جَرىٰ عَلَيَّ فيهِ قَضاؤكَ )
الحجة ـ بضم الحاء ـ اسم من الاحتجاج : وهو المغالبة علىٰ الخصم بالدليل ، كما قال تعالىٰ : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٤) وقوله : ( فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (٥).
و ( قضاءُ ) ـ بالرفع ـ فاعل ( جرىٰ ) اُضيف إلىٰ ضمير الخطاب ، والمخاطب هو الله تعالىٰ ، يريد السائل : أنّه لا حجّة لي في شيء جرىٰ قضاؤك عليَّ في ذلك الشيء ، بل لك الحجّة في إجراء قضائك عليَّ. ومقصوده : أنَّ المجاوزة عن بعض الحدود
_____________________________
(١) « الفاتحة » الآية ٢. |
(٢) « التغابن » الآية : ١. |
(٣) « القبسات » ص ٤٥٩. |
(٤) « النساء » الآية : ١٦٥. |
(٥) « الأنعام » الآية : ١٤٩.