ولعلنا لا نغلو إذا قلنا بعد ذلك إن أكثر الأصول التى اعتمدها ابن جنى فى كتابه الخصائص إنما استمدها من إملاءات أبى على أستاذه وملاحظاته. وإذا رجعنا إلى آرائه النحوية وجدناه فى طائفة منها ينصر الخليل وسيبويه ، وغيرهما من البصريين ، وفى طائفة أخرى ينتصر للكوفيين ، ويكفى أن ندل على ذلك ببعض الأمثلة ، فمما انتصر فيه للخليل أن لا النافية قد تأتى زائدة كما فى قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)(١). وانتصر له ولسيبويه فى تحليل ويكأنه فى قوله جلّ شأنه : (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) إذ كانا يذهبان إلى أن (وى) مفصولة بمعنى أعجب ، وذهب الأخفش إلى أنها موصولة بالكاف ، أى (ويك أنه لا يفلح الكافرون) وويك عنده بمعنى أعجب ، وعلّق أن وما بعدها بما فى ويك من معنى الفعل. ووقف أبو على مع الخليل وسيبويه مؤكدا أن «كأن» قد تأتى كالزائدة ، وأنشد فى ذلك بيت عمر أبى ربيعة :
كأننى حين أمسى لا تكلمنى |
|
ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا |
أى أنا كذلك» (٢). وكان سيبويه يذهب إلى أن «إذما» حرف شرط مثل إن ، وذهب المبرد وابن السراج ـ وتابعهما أبو على ـ إلى أنها ظرف مثل إذ (٣). وقد أجاز مع الأخفش والكوفيين ترك صرف ما ينصرف فى ضرورة الشعر (٤).
وعلى نحو ما كان ينتخب لنفسه من الآراء البصرية كان ينتخب من الآراء الكوفية ما صحّ فى قياسه ، من ذلك أنه كان يقف مع الكوفيين فى إعمال الفعل الأول فى باب التنازع مستدلا بقول امرىء القيس :
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفانى ـ ولم أطلب ـ قليل من المال (٥) |
وكان يتابعهم فى إعمال إن النافية عمل ليس لما رووا عن بعض أهل العالية فى نجد من قولهم : «إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية» (٦). وتابعهم فى أن
__________________
(١) المغنى ص ٢٧٨.
(٢) الخصائص ٣ / ١٧٠.
(٣) المغنى ص ٩٢.
(٤) ابن يعيش على المفصل ١ / ٦٨.
(٥) المغنى ص ٥٦٣.
(٦) همع الهوامع ١ / ١٢٤.