قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
وهو إبعاد فى الفهم والتقدير (١). وعلى شاكلته ذهابه إلى أن كيف قد تأتى حرف عطف ، وأنشد على ذلك قول بعض الشعراء :
إذا قلّ مال المرء لانت قناته |
|
وهان على الأدنى فكيف الأباعد |
وهو خطأ واضح لاقترانها ـ كما قال ابن هشام ـ بالفاء ، وقد خرّجها على مضاف محذوف ، تقديره : فكيف حال الأباعد. ويمكن أن يكون جر الأباعد ضرورة شعرية وأن البيت من قصيدة مكسورة الدال (٢). وله من هذا القبيل آراء يغرب فيها إغرابا بعيدا ، من ذلك أنه كان يذهب إلى أن الفاعل ونائب الفاعل قد يكونان جملة مثل «يعجبنى تقوم» والجمهور يؤوّل ما قد يظن فيه ذلك من صور الكلام (٣). وكان يذهب فى مثل «مؤدبنى» إلى أن النون فيها تنوين لا نون ، حتى يفسح لإعمال اسم الفاعل فى الياء النصب ، وردّ ذلك ابن هشام بأنها لو كانت تنوينا لما دخلت على اسم الفاعل الألف واللام فى مثل «الموافينى» من قول الشاعر : «وليس الموافينى ليرفد (٤) خائبا (٥)». ومن ذلك أن البصريين وجمهور النحاة كانوا لا يجيزون الجمع بين الفاعل والمفعول فى نعت واحد ، فلا يقال «ضرب زيد عمرا الظريفان» وجوّز ذلك هشام مع اختيار الرفع (٦).
وكان يذهب إلى أن الواو العاطفة للجمل تغنى غناء الضمير فى الربط بين المبتدأ وخبره فيقال مثلا «زيد جاءت هند وأكرمها» ومنع ذلك الجمهور لأنه لم يرد به سماع ولأن الواو إنما تكون للجمع فى المفردات لا فى الجمل بدليل جواز «هذان : قائم وقاعد» دون «هذان يقوم ويقعد» (٧).
ولعل فى كل ما أسلفنا ما يوضح نشاط هشام فى درس النحو على ضوء الأشعة التى سالت من آراء الكسائى وأصوله التى وضعها لنحاة الكوفة من بعده ، وقد مضى فى إثره يكثر من الاتساع فى الرواية والقياس والخلاف على البصريين والنفوذ إلى آراء جديدة ، يداخلها كثير من البعد والإغراب.
__________________
(١) الرضى ٢ / ٣٤٠.
(٢) المغنى ص ٢٢٧ والهمع ٢ / ١٣٨.
(٣) المغنى ص ٤٤٨ ، ٤٧٨.
(٤) يرفد : يعطى.
(٥) المغنى ص ٣٨١ ، ٧١٦.
(٦) الرضى ١ / ٢٩٠.
(٧) المغنى ص ٥٥٥ والهمع ١ / ٩٨.