منفيّا ، فلا يقال «إلا زيدا قام القوم» ولا «إلا زيدا ما أكل أحد طعاما» ولا «ما ـ إلا زيدا ـ قام القوم» وسمع الكسائى :
خلا الله لا أرجو سواك وإنما |
|
أعدّ عيالى شعبة من عيالكا |
فلم يلتفت إلى أن ذلك ضرورة شعرية دفعت الشاعر إلى المخالفة المنطقية لترتيب الكلام ، فسوّغه لا فى «خلا» وحدها بل أيضا مع «إلا» ، بحجة أنها الأصل فى الباب وخلا فرع لها ، والأصل أولى بما يجوز فى الفرع ، وبذلك وضع قاعدة عامة هى جواز تقديم المستثنى فى أول الكلام سواء أكان موجبا أم منفيّا (١). ورأى الأخفش يجيز تأخير المعمول للفعل إذا كان ظرفا أو جارّا ومجرورا وتقدم المستثنى عليه لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) فقد تأخر الجار والمجرور (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) وتقدم المستثنى (إِلَّا رِجالاً) ووقع له فى بعض الشعر : «فما زادنى إلا غراما كلامها» بتوسط المستثنى بين الفعل والفاعل ، فوضع قاعدة عامة ، خالف بها جمهور البصريين ، وهى أنه يجوز تقديم المستثنى على المعمول للفعل مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا (٢). وذهب سيبويه والبصريون وجمهور الكوفيين إلى أن «خلا» إذا تقدمتها ما المصدرية تعيّن نصب المستثنى بعدها ، وجوّز الكسائى فيه الجرّ على أن تكون ما زائدة فتقول «قام القوم ما خلا محمدا بالنصب» وما خلا محمد بالجر. وعلق ابن هشام على ذلك فى المغنى بأن القياس يمنع ذلك لأن «ما» لا تزاد قبل الجار والمجرور ، إنما تزاد بعد حرف الجر مثل (عَمَّا قَلِيلٍ) (فَبِما رَحْمَةٍ) وقال : إن احتج بالسماع فهو من الشذوذ الذى لا يصح القياس عليه (٣). وربما كان أغرب ما ذهب إليه الكسائى من أحكام فى باب الاستثناء أنه جوّز فى مثل «ما قام إلا محمد» نصب محمد على الاستثناء ، مستدلا بقول بعض الشعراء :
لم يبق إلا المجد والقصائدا |
|
غيرك يابن الأكرمين والدا |
بنصب المجد وغيرك. وردّ عليه جمهور النحاة بأن غيرك هى الفاعل وفتحتها
__________________
(١) الإنصاف : المسألة رقم ٣٦ والهمع ١ / ٢٢٦.
(٢) الهمع ١ / ٢٣٠.
(٣) المغنى ص ١٤٢ وانظر الهمع ١ / ٢٣٣.