لا يعرفونه من تلامذة شيوخهم المعروفين سيّما معاصريهم يتركونه ، وهذا مثل من كان بينه وبين رجل صداقة كاملة في مدة طويلة ، يعرف عادة أبناءه وأرقابه وأصدقاءه ، فيأتيه رجل مجهول الحال لم يره في هذه المدة عند صديقه ، ولم يخبره أحد به ، يدّعي أنّه ابن صديقه أو تلميذه الملتزم مجلس درسه ، وإملائه للحديث ، ويخبر عنه بامور لم يسمع به من صديقه ، فلا شكّ أنّه لا يقبل ادّعاءه ويتّهمه بالكذب ، ولا ينقل ما يخبر عنه سيّما محتجّا به من دون إشارة إلى أنّه في طول معاشرته وحضوره مجالس هذا الصديق لم يطّلع به ، ولم يره في مجالسه وإلّا يكون مدلّسا. ومقام مثل الصدوق أرفع وأنبل من أن يعمل هكذا في كتاب كتبه لرفع الحيرة ، وإزالة الشبهة ، وامتثالا لأمر ولي الله روحي له الفداء (١) ، فيزيد بنقله الحيرة ويقوي الشبهة.
وخلاصة الكلام : لنا ادّعاء القطع بأنّ الصدوق ـ رحمهالله ـ كان عارفا بحال هؤلاء الرجال وصدقهم ، وإن اهمل ذكرهم فيما بأيدينا من كتب الرجال ولم يصل حالهم بالإجمال أو التفصيل إلى مؤلّفي المعاجم والرجال ، ولا يصدر من مثله الاعتماد على حديث لم يعرف رجاله بالصدق والأمانة ، ولم يطمئن بصدقهم في نقلهم هذا الحديث بالقرائن التي توجب الاطمئنان.
__________________
(١) قال ـ رحمهالله ـ في مقدّمة كمال الدين : فبينا أنا ذات ليلة افكّر فيما خلفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم ، فرأيت كأنّي بمكّة أطوف حول بيت الله الحرام ... فأرى مولانا القائم صاحب الزمان صلوات الله عليه واقفا بباب الكعبة ، فأدنو منه على شغل قلب وتقسّم فكر ، فعلم عليهالسلام ما في نفسي بتفرّسه في وجهي ، فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ قال لي : لم لا تصنّف كتابا في الغيبة حتّى تكفي ما قد همّك ... فلمّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلا لأمر ولي الله وحجّته ....