وأمّا محمد بن بحر الشيباني ، وإن رماه الكشّي (في ترجمة زرارة بن أعين) بالغلوّ (١) ، إلّا أنّ الظاهر من كلمات الرجاليّين : أنّه غير متّهم بالكذب والخيانة ، فيصحّ الاعتماد عليه ، غاية الأمر أن لا يعتمد على روايته ما يوافق مذهبه من الغلوّ أو مطلق ما فيه الغلو وإن لم يوافق مذهبه ، أو لا يعلم مذهبه فيه ، فلا منافاة بينه وبين وثاقته ، بل مع وثاقته لا يجوز ردّ روايته بعد القول بصدقه ووثاقته ، إلّا أنّه ينظر إلى متن ما رواه فيؤوّل أو يحمل على المحامل الصحيحة إن امكن ، وإلّا فيترك فيما ثبت دلالته على ما ثبت بالعقل أو النقل الحجّة كونه غلوّا ، هذا. مضافا إلى أنّه قد صدر عن بعضهم كثيرا رمي الرجال بالغلوّ بما ليس منه عند الأكثر ، وربّما كان ذلك لانحطاط معرفة الرامي ، وعدم بصيرته بامورهم وشئونهم عليهمالسلام الثابتة بالعقل أو النقل ، فإذا كان مراتب الصحابة الأجلاء مثل : سلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار ونظائرهم من خواصّ أصحاب الأئمّة عليهمالسلام في معرفتهم وشهود شئونهم ومراتبهم العلية متفاوتة جدّا ، فما ظنّك بغيرهم. وهذا باب الورود فيه صعب مستصعب ، لا يصل إلى منتهاه ، بل لا يقرب منتهاه إلّا الأوحدي من اصحاب المراتب العالية ، والدرجات الرفيعة ، فعن رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي! ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلّا الله وأنا (٢).
ومع ذلك نقول : ما للتراب وربّ الأرباب ، أشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، وأنّ خلفاءه الأئمّة عباده المكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم
__________________
(١) رجال الكشّي : ص ١٤٧.
(٢) انظر البحار : ج ٣٩ ص ٨٤.