من السماء فما هو إلّا مجازفة ، فيها ما فيها ، وتحريف للكلم.
وأمّا قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) فلم يكن إخبارا ابتدائيا ، يكون وقوع الفعل الماضي باعتبار حال المتكلّم كما في الآيتين ، بل جاء في سياق قوله تعالى : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ) في حوادث زمان البعث والقيامة ومقدّماتها ، فهو في سياقه ناظر إلى ذلك الحين ، وسياق الكلام يجعله بدلالته في قوّة قوله : «ونفخ ـ حينئذ ـ في الصّور» فهو على حقيقة الفعل الماضي ، وباعتبار ذلك الحين كما في قوله : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (١).
هذا وبعض المفسّرين لقوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) قال : أي مميتك حتف أنفك. وأقول : إن أراد الإماتة بعد نزول المسيح من السماء شارك ما سبق من التفسير وورد الاعتراض عليه ، وإن أراد إماتته قبل ذلك وقبل نزول القرآن خالف المعروف من عقيدة المسلمين وإجماعهم في أجيالهم ، ويرد عليه السؤال أيضا بأنّه من أين جاء بالإماتة حتف أنفه؟ وما ذا يصنع بما جاء في القرآن كثيرا ممّا ينافي اختصاص التوفّي بالموت حتف الأنف؟ بل المراد منه الأخذ بالموت وإن كان بالقتل ، كقوله في سورة الحجّ : ٥ ، والمؤمن : ٦٧ في أطوار خلق الإنسان من التراب والنطفة إلى الهرم : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) لتكونوا شيوخا (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) وفي سورة البقرة : ٢٣٤ و ٢٤١ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) ، ويونس : ١٠٤ (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) ، والنحل : ٧٠ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) ،
__________________
(١) الفجر : ٢٣.