على قدرة الله في أخذه ، فلا يكون رفعه مشتملا على أخذ الشيء تامّا؟
هذا ولا يخفى أنّ القرآن ناطق بأنّ المسيح ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم ، ورفعه الله إليه ، وأنّ عقيدة المسلمين مستمرّة كإجماعهم على أنّه لم يمت ، بل رفع إلى السماء إلى أن ينزل في آخر الزمان ، فلأجل ذلك التجأ بعض من يفسّر التوفّي بالإماتة إلى أن يفسّر قوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ، ولكنّي لا أدري ما ذا يصنع بحكاية القرآن لما سبق على نزوله في قوله في أواخر سورة المائدة / ١١٦ و ١١٧ : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) ... (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فهل يسوغ أن تفسّر هذه الآية بالوفاة بعد النزول؟ وهل يصحّ القياس في ذلك على قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ)؟ وهل يخفى أنّ مقتضى كلام المسيح في الآيتين هو أنّه بعد أن توفّاه الله ، وانقطعت تبليغاته في دعوة رسالته ، وكونه شهيدا على امّته ، تمحّص الأمر ورجع إلى أنّ الله هو الرقيب عليهم؟ وأنّ سوق الكلام واتّساقه ليدلّ على اتّصال الحالين ، وأنّ الرقيب كيفما فسّرته إنّما يكون رقيبا في وجود تلك الامّة في الدنيا دار التكليف ، لا الآخرة الّتي هي دار جزاء وانتقام. ولا تصحّ الطفرة في المقام من أيّام دعوة المسيح لامّته في رسالته ، وكونه شهيدا عليهم إلى ما بعد نزوله من السماء في آخر الزمان ، حيث يكون وزيرا في الدعوة الإسلاميّة لا صاحب الدعوة.
ومن الواضح أنّ المراد في الآيتين من الناس الّذين جرى الكلام في شأنهم إنّما هم الّذين كانوا أمّة المسيح ، وفي عصر رسالته ، ونوبة دعوته وتبليغه ... ، وأمّا صرف وجهة الكلام إلى الناس الّذين هم في أيّام نزوله