وعدل عن «الأخذ» ؛ لعدم دلالته على التمام والوفاء ، كالتوفّي الدالّ على تمام القدرة على نحو المعنى في (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
ولك العبرة فيما قلناه بقوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) ، فإنّك إن جعلت قوله تعالى : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ) معطوفا على (الْأَنْفُسَ) لم تقدر أن تقول : إنّ معنى يتوفّى : يميت.
وإن قلت : إنّ التوفّي في المنام إماتة مجازيّة ، قلنا : كيف يكون معنى اللفظ الواحد معنيين : معنى حقيقيّا ومعنى مجازيّا ، ويتعلّق باعتبار كلّ معنى بمفعول ، ويعطف أحد المفعولين على الآخر مع اختلاف المعنى العامل به؟ وهل يكون اللفظ الواحد مرآة لكلّ من المعنيين المستقلّين؟ كلّا ، لا يكون.
وإن جعلت قوله تعالى : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ) مفعولا لكلمة «يتوفّى» مقدّرة يدلّ عليها قوله تعالى : (يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) ، قلنا : إنّ دلالة الموجود على المحذوف إنّما هي بمعناه ، كما لا يخفى على من له معرفة بمحاورات الكلام في كلّ لغة ، فكيف يجعل التوفّي بمعنى الموت دليلا على توفّ محذوف هو بمعنى آخر؟!
إذن ، فليس إلّا أنّ «التوفّي» بمعنى واحد وهو الأخذ تماما ووافيا ، إمّا من عالم الحياة ، وإمّا من عالم اليقظة ، وإمّا من عالم الأرض والاختلاط بالبشر إلى العالم السماوي ، كتوفّي المسيح وأخذه. ومن الغريب ما قاله بعض من أنّ رفع المسيح إلى السماء غير مشتمل على أخذ الشيء تامّا ، انتهى.
وليت شعري ما ذا بقي من المسيح في الأرض؟ وما ذا تعاصى منه