وفجأة ظهر الحكمان أمام الناس بعد احتجاب طويل استغرق عدة أشهر ، وأعلنا عن اتفاقهما بما فيه الرضا للمسلمين ، والنصح للدين ، واستمر الخداع هذا في هذا الموقف فقدم عمرو أبا موسى لإعلان ما اتفقا عليه ، وأشفق ابن عباس من هذا التقديم ، وأشار بإصرار على أبي موسى بالتأخر ريثما يعلن ابن العاص ما عنده ، فما استجاب له أبو موسى ، ولا استمع إلى نصحه ، وإنما تقدم إلى المنبر ، وأعلن أنه وعمرو بن العاص اتفقا على خلع علي ومعاوية ، ورد الأمر شورى بين المسلمين ، ثم قام عمرو بن العاص ، وقال : إن هذا قد خلع صاحبه ، وأنا أخلعه كما أخلع خاتمي هذا ، وأثبت صاحبي كما أثبت هذا الخاتم.
فقال أبو موسى : مالك لا وفقك الله ، غدرت وفجرت ، إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، فأجابه عمرو بن العاص : إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
وانتهت مهزلة الحكمين بهذا الشكل المريع ، فماج الناس واضطربوا ، وتراشقوا بالكلام والسياط ، وأدرك أبو موسى خزيه فضرب راحلته ورمى بها مكة ، وأقبل عمرو بن العاص وأهل الشام وسلّموا على معاوية بأمرة المؤمنين ، وعاد أهل العراق بخفيّ حنين ، وأدرك المسلمون أن الحكمين جارا في الحكم ، وعدلاً عن القصد. وبلغ علياً ذلك فقال معاوداً : إن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن.
واغتبط معاوية لهذه النتيجة ، فقد كسب الموقف ، وقد أراح أصحابه من الحرب ، وقد ثبّته صاحبه بالخلافة.
وأفاق العراقيون بعد سكرة موقتة ، فرأوا الأمور تدار في صالح