وقولي كلما جَشَأت وجَاشَت |
|
مَكَانَكِ تُحمدِي أو تُستريحِي |
ويزعم المؤرخون أن جيش معاوية قد تضعضع بش كل لا يمكن إلتأمه ، وأن أركان حربه يلوذون بالفرار ، وأن الأشتر يزحف بالكتائب حتى يصل إلى فسطاط معاوية ، ومن خلفه الجيش العراقي يتجحفل بهجومه الكاسح على مقرّ قيادة الجيش الشامي ، وهنا يستنجد معاوية بعمرو بن العاص ، فيدبران المكيدة برفع المصاحف ، وإذا بمنادي أهل الشام يقول :
« هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته ، اللهَ اللهَ في العرب ، الله الله في الإسلام ، الله الله في الثغور. من لثغور الشام إذا هلك أهل الشام؟ ومن لثغور العراق إذا تفانى أهل العراق ».
وكانت ليلة الهرير بما صاحبها من إنتصار ساحق لأهل العراق ، وإندحار شامل لجيش الشام مقدمة التفكير في هذه المكيدة.
ولم تكن هذه الخديعة الكبرى وليدة ساعتها ، ولا بنت ليلتها ، وإنما سبقها عمل مستمر وكيد قائم على قدم وساق من قبل معاوية وقيادته ، فلقد ملّ معاوية الحرب الخاسرة التي يخوضها ، وقد أُخذَ عليه بالمخنق بها ، ولا أمل له بالنصر أو الخلاص فما هي إلا السقوط في المعركة أو الهزيمة الكبرى ، لا سيما بعد تناثر آلاف القتلى التي مني بها جيشه ، فقد ذكر المؤرخون أن قتلى أهل الشام قد بلغوا خمسة وأربعين ألفاً ، كما أن قتلى أهل العراق قد بلغوا خمسة وعشرين ألفاً ، وهب أن هذا العدد من المعسكرين مبالغ فيه ، فلو تنزلنا معه إلى نصفه لكان عدداً هائلاً ، وخسارة فادحة.
كان بين أهل العراق عدد لا يستهان به من رؤساء القبائل ممن استهواهم معاوية بالمال والوعود وكان في طليعتهم الأشعث بن قيس