ولم يكن من علي عليهالسلام خلاف لعثمان (رض) فقد اعتاد مرارة
الصبر ، وشجا التحمل والمكاره ، ولم يشأ أن يأخذ حقه بالعنف ، ولا استساغ أن يعلن
الثورة ، وإنما كان كأحد الناس بايع عثمان فيمن بايعه ، وصبر على أعماله فيمن
صبروا ، وإعتزل حياة الحكم والسلطان ، مؤثراً مصلحة الإسلام العليا ، وهي هدفه
الأول والأخير ، يستشار لماماً فيشير سداداً ، ويتجاهل فيحلم كاظماً ، وتنتهك
الحرمات فيحتج غضباً ، وتستلب حقوق المسلمين فيجاهر بالغضب لذلك ، ويتشاغل بنواضحه
مرة ، وبمزارعه الموقوفة مرة أخرى ، إلا أنه حريص كل الحرص على أداء رسالته فقهاً
وإفتاءً ما وسعه إلى ذلك السبيل ، كما حرص على النصح الكريم لعثمان في حدود لا
تسمح له بأكثر مما أعطى ، ولكن السيل الجارف أتى على كل القيم التي من شأنها أن
ترتفع بالإنسان إلى مستوى المسؤولية ؛ وكان مصدر هذا السيل المتدافع حاشية السلطان
، وأسرة السلطان ، وضعف السلطان ، فاحتجزوا لأنفسهم كل شيء دون المسلمين ، إستصفوا
الأموال وتقاسموا الفيء ، واستبدوا بمراكز الدولة المهمة ، ونبذوا كتاب الله
ظهرياً ، فتذكر الناس قول عمر عند الموت لعثمان : « كأني بك ؛ وقد قلدتك قريش هذا
الأمر ، فحملت بني أمية ، وبني أبي مُعيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء فسارت
إليك عصابة من ذؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ».
وكأن عمر كان ينظر في مرآة الغيب لأعمال
الرجل ، واستيلاء بني عمومته الأمويين على كل شيء ، وما ينتظر هذا الاستيلاء من
مصير محتوم للخليفة المحكوم ، وكان الأمر كما تنبأ به عمر (رض).
لقد نقم المسلمون على عثمان جملة من
القرارات الجائرة في المال والتولية والأثرة والإبعاد والتقريب والنفي واللامبالاة
في كل شيء