ليت شعري!! هل أفاد ابو بكر (رض) من هذا ، وجعله ميزاناً بينه وبين المسلمين ، أم هي العواطف الخالصة التي لا تتبع بالقول عملاً ، ولا تثني النظر بالاقتداء ، وأبو بكر الراوي : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة الهجرة ونحن خارجان من الغار نريد المدينة : « كفي وكف علي في العدل سواء ».
فهل استجلى ابو بكر من ذلك في الأقل ضرورة مشاركته الحكم ، وأساسه العدل ، إن لم يُسلم إليه الحكم كله ؛ وَلِمَ إستأثر بقيادة الأمة دونه ، وبقي علي عليهالسلام جليس الدار ، أو حليف المساقاة ، لا يضع ولا يرفع ، والمسلمون بمشهد وبمسمع.
أنكتفي من أبي بكر وهو الفطن الحاذق ، والرجل المجرّب الحصيف ، أن يروي هذا الحديث ونظراءه ، دون الاقتفاء لأثره وهو يقود الجماعة الإسلامية ، ويسوس الدولة العربية ، وعليّ دونه كل أمر وكل نهي ، وكأنه رجل من سواد الناس.
وليت ابا بكر (رض) إذ أطال النظر في وجه علي عليهالسلام قد أطال النظر إلى قلب عليّ من وراء حجاب رقيق ، فاستشعر ذلك الألم الدفين في ذلك القلب الكبير ، وليته سبر أغوار هذا الجرح العميق فغير وبدل وجامل حاور وناظر عسى أن ينتزع هذا الحزن من ذلك القلب ، ولكنه أصر على تجاهل هذه الحقيقة الصارخة ، وغض النظر عن هذا الملحظ الدقيق طيلة خلافته ، فبقي الشجا في نفس علي ، وغص عليّ بريق الأسى ، ينظرون في وجهه ولا يترسمون خطاه ، ويطيلون النظر إليه ولا يستمعون لأنينه ، وهو في عزلة يرى تراثه نهباً ، وكفاءته لا يفاد منها ، وكأنه متاع رخيص في زوايا البيت الحافل بأغلى النفائس.