( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ المُجْرِمِينَ ) (١).
استدل القائل بعدم وجود العصمة في الأنبياء بظاهر الآية قائلاً بأنّ الضمائر الثلاثة في قوله : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) ترجع إلى الرسل ، ومفاد الآية انّ رسل الله سبحانه وأنبياءه كانوا ينذرون قومهم ، وكان القوم يخالفونهم أشد المخالفة ، وكان الرسل يعدون المؤمنين بالنصر عن الله والغلبة ويوعدون الكفّار بالهلاك والإبادة ، لكن لما تأخر النصر الموعود وعقاب الكافرين « ظن الرسل أنّهم قد كذبوا » فيما وعدوا به من جانب الله من نصر المؤمنين وإهلاك الكافرين ، ومن المعلوم انّ هذا الظن سواء أكان بصورة الإذعان واليقين أو بصورة الزعم والميل إلى ذاك الجانب ، اعتقاد باطل لا يجتمع مع العصمة.
وإن شئت تفسير الآية فعليك بإظهار مراجع الضمائر بأن تقول : لما أخّرنا العقاب عن الأُمم السالفة ظن الرسل انّ الرسل قد كذب ( بصيغة المجهول ) الرسل في ما وعدوا به من النصر للمؤمنين والهلاك للكافرين.
وعلى هذا فكل جواب من العدلية القائلين بعصمة الرسل على خلاف هذا الظاهر يكون غير متين ، بل يجب أن يكون الجواب منطبقاً على هذا الظاهر.
وإليك الأجوبة المذكورة في التفاسير :
الأوّل : انّ الضمائر الثلاثة ترجع إلى الرسل غير انّ الوعد الذي تصور الرسل أنّهم قد كذبوا ( أي قيل لهم قولاً كاذباً ) هو تظاهر عدة من المؤمنين بالإيمان وادّعاؤهم الإخلاص لهم ، فتصور الرسل انّ تظاهر هؤلاء بالإيمان كان كذباً وباطلاً ، وكأنّهم تصوروا انّ الذين وعدوهم بالإيمان من قومهم أخلفوهم أو كذبوا فيما أظهروه من الإيمان (٢).
__________________
(١) يوسف : ١١٠.
(٢) مجمع البيان : ٥ ـ ٦ / ٤١٥ ، ط دار المعرفة ، بيروت.