( بالفتح ) وانّ الملائكة تكلّمهم فليس هذا بأمر غريب ، وهذه مريم البتول قد كلّمتها الملائكة ، وقالت لها : ( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (١). فلم تكن مريم بتكليم الملائكة إيّاها نبيّة أو رسولة ، وإنّما صارت محدَّثة ( بالفتح ) ، وكون الإنسان محدَّثاً غير كونه نبيّاً أو رسولاً ، والكاتب لم يفرّق بين الرسالة والنبوّة ، ومسألة التحدّث مع الملائكة.
وقد أصفقت الأُمّة الإسلامية على أنّ في هذه الأُمّة على غرار الأُمم السابقة أُناساً محدَّثون ( بالفتح ) ، وقد أخبر بذلك النبي الأعظم كما ورد في الصحاح والمسانيد ، والمحدّث من تكلمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهم ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، اوينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني الّتي يمكن أن يراد منه ، فهذا أمر مسلّم غير أنّ الخلاف في مصاديقه وجزئياته ، فالشيعة تعتقد بأنّ عليّاً أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة من المحدّثين وأهل السنّة يرون غيرهم.
أخرج البخاري في باب مناقب عمر بن الخطاب عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلّمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أُمّتي منهم ، فإنّه عمر بن الخطاب » (٢).
ونحن نكتفي بهذا المقدار في تحقيق الحال والتبسيط يحتاج إلى إفراد رسالة في هذا الموضوع ، على أنّ الآية الحاكية عن تكريم الملائكة لمريم البتول كافية في الموضوع ، فإنّها دليل أوّلاً على كون مريم محدَّثة تكلّمها الملائكة ، وهي تسمع كلامهم ، كما أنّها دليل على اعتصامها بعصمة الله فهي مصطفاة معصومة ، فلا ذنب للشيعة إذا اعتقدت أنّ الأئمّة من بعد الرسول محدّثون بلا نبوة ولا رسالة ،
__________________
(١) آل عمران : ٤٢.
(٢) صحيح البخاري : ٢ / ١٩٤.