صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهم الذين يصفهم سبحانه بقوله : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ ) (١).
فالهداية المطلقة والدعوة الواسعة والأُسوة التامة خاصة لقسم من الأنبياء وإن كان كل نبي داعياً وهادياً إلى الحلال والحرام ، ويرشد إلى ذلك انّ الخليل إنّما وصل إلى ذلك المقام ، بعد ما صار خليلاً ، والخلّة هي فراغ القلب من غير الله سبحانه بحيث لا يفعل صاحبها إلاّ ما فيه رضى الله سبحانه وتعالى ، وإليك متن الحديث : إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وانّ الله اتّخذه نبياً قبل أن يتّخذه رسولاً ، وانّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، وانّ الله اتّخذه خليلاً قبل أن يتّخذه إماماً ، فلمّا جمع له الأشياء قال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (٢).
فالإمامة نتيجة الخلّة وصيرورة النبي فارغاً من كل شيء سوى الله سبحانه ، وعند ذلك ، يكون إماماً مطلقاً يستدل به وأُسوة يقتدى به في المجالات الثلاثة : قولاً وفعلاً وتقريراً.
تحليل النظرية
وفيه : أوّلاً : فلأنّ هذه النظرية مبنية على ما استظهره من قوله سبحانه : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، فاستظهر أنّ الأنبياء على قسمين : إمام وغيره ، بشهادة كلمة « من » ، لكن الاستظهار غفلة عن مرجع الضمير ، فالضمير يرجع إلى
__________________
(١) الأنبياء : ٧٣.
(٢) الكافي : ١ / ١٧٥ ، باب طبقة الأنبياء.