طلب نزول العذاب على قومه بقرينة قوله : ( وَهُوَ مَكْظُومٌ ) ، أي كان مملوءاً غيضاً أو غماً ، والمعنى : يا أيّها النبي لا تكن مثل صاحب الحوت ، ولا يوجد منك مثل ما وجد منه من الضجر والمغاضبة ، فتُبتلى ببلائه ، فاصبر لقضاء ربك ، فإنّه يستدرجهم ويملي لهم ولا تستعجل لهم العذاب لكفرهم.
ويستفاد من بعض الروايات أنّ سبب لومه وردعه كان أمراً ثالثاً ، وهو أنّه لمّا وقف على نجاة أُمّته غضب وترك المنطقة (١).
والوجهان : الأوّل والثاني هما الصحيحان.
وممّا ذكرنا يعلم مفاد قوله سبحانه : ( إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ المَشْحُونِ ) ، فشبّه حاله بالعبد الآبق ، وذلك لما مرّ من أنّ خروجه في هذه الحال كان ممثلاً لإباق العبد من خدمة مولاه ، فأخذه الله بذلك.
وعلى كل تقدير فالآيات تدل على صدور عمل منه كان الأليق بحال الأنبياء تركه ، وهو يدور بين أُمور ثلاثة : أمّا ترك قومه من دون إذن ، أو طلب العذاب وكان الأولى له الصبر ، أو غضبه على نجاة قومه.
إلى هنا تم توضيح الآيات المهمة التي وقعت ظواهرها ذريعة لأُناس يستهترون بالقيم والفضائل ويستهينون بأكبر الواجبات تجاه الشخصيات الإلهية ، وبقي الكلام في عصمة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ونفيض القول فيها في البحث الآتي.
__________________
(١) بحار الأنوار : ١٤ / ٣٨.