منزلته (١) والأخذ عنهم فيما برعوا وفاقوا فيه ، وترك الاقتفاء والتبعية فيما لا حذق لهم فيه ولا براعة ، وهذا هو دأب الدين ، وهي السنّة القرآنية الّتي أمر الله سبحانه بها حيث قال : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) (٢).
وكذلك علم الحديث والسنّة ، فربّما يكون الرجل قدوة في الحفظ ، عارفاً بمتون الأحاديث وأسانيدها ، وليس له مقدرة علمية لتحليل مفادها والغور في أعماقها ، فيكون ذلك من موارد قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها ، فربّ حامل فقه غير فقيه ، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه » (٣).
فليس كل من روى كلاماً للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يقبل رأيه الّذي رأى ، ولا كل من حفظ اللفظ ، كان أهلاً لبيان كنه المعنى ، وما يستنبط منه ، بل لكل من الحفظ والنقد والتحليل رجال متخصّصون ، ولكل فن أهل وأرباب ، فمن خاض في علم بلا كفاءة كان خطاؤه أكثر من صوابه وكان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه.
هذا هو الأصل الّذي دعا إليه القرآن ، واستقرّت عليه سيرة العقلاء ، ولكن الغفلة عن هذا الأصل في بدايات القرون الهجرية الأُولى ، أحدثت تخبّطاً في الأوساط الإسلامية فنجمت بين المسلمين بدع يهودية وآراء مسيحية ، من القول بالتشبيه ، وإثبات المحل لله تعالى ، والجهة له سبحانه ، فوصف الباري ـ المنزّه عن كل نقص ـ بالجلوس ، والنزول إلى الأرض ، وأثبتت له الأجزاء والأعضاء كالوجه والعين واليد والرجل ، ونسب إليه الاستعلاء الحسي على العرش ، وكان السبب لهذا
__________________
(١) روى مسلم في صحيحه : ( ١ / ٥ ) عن عائشة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
(٢) البقرة : ١٨٩.
(٣) سنن الترمذي : ٥ / الباب ٧ ، كتاب العلم ، الحديث ٢٦٥٧ ; مسند أحمد : ٢ / ٢٢٥.