وحاصل الآيتين : انّ أصل الشفاعة التي تدّعيها اليهود ويلوذ إليها الوثنيون حق ثابت في الشريعة السماوية ، غير انّ لها شروطاً أهمها إذنه سبحانه للشافع ورضاؤه للمشفوع له.
وعلى ذلك فكيف يصح لنا تخصيص الآيات بقسم خاص من الشفاعة وهي شفاعة الأولياء لرفع الدرجة ، وزيادة الثواب ؟
وأوضح دليل على عمومية الشفاعة للقسم الثالث من الأقسام الماضية ما أصفق على نقله المحدّثون من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي » (١).
ومع هذه القرائن والأحاديث الكثيرة التي ستمر عليك في فصلها الخاص لا يصح تخصيص الآيات بالمورد الذي ذهبت إليه المعتزلة.
إنّ الدافع الوحيد للمعتزلة كلّهم أو أكثرهم إلى تخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة هو الموقف الذي اتّخذوه في حق العصاة ومقترفي الذنوب في أبحاثهم الكلامية ، فانّهم قالوا بخلود أهل العصيان في النار ، وهذه العقيدة منسوبة إلى جميعهم أو أكثرهم ، ومن الواضح أنّ من يتخذ مثل هذا الموقف لا يصح له أن يعمّم آيات الشفاعة إلى العصاة ، وذلك لأنّ التخليد في النار لا يجتمع مع التخلّص عنها بالشفاعة.
وإليك ما نقل عن المعتزلة في هذا الصعيد : قال المفيد : اتفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى ، والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة ، ووافقهم على هذا القول
__________________
(١) ستوافيك مصادر الحديث في البحث الروائي.