وإن شئت قلت : إنّ أفضل الطرق للتعليم والتربية هو أن يتعانق ويتصافق الفكر والعمل ويتزامن التعليم والتطبيق وأن يردف المربي ما يلقيه بالعمل ، وهذا لا يتحقق إلاّ بنزول القرآن تدريجياً وحسب الحوائج والأسئلة ، ويفوت ذلك في نزوله مكتوباً جملة واحدة.
إنّ التدرّج في التنزيل أحد الأدلة الساطعة على صدق القرآن في انتسابه إلى الله ، وأنّه وحي سماوي لا تأليف بشري ، إذ أنّ نزول الآيات في مواسم وظروف متفاوتة مع حفظ النمط الخاص به ـ رغم ما يواجه به الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلمفي حياته الرسالية من شدة ورخاء ، وهدوء واضطراب ، وسلم وحرب ـ خير دليل على أنّ هذا الكلام ليس إلاّ وحياً يوحى إليه من إله قادر حكيم محيط خالق عالم ، فيكون ذلك أظهر برهان لعظمة القرآن ، وأقوى دليل على إعجازه ، فهل في وسع النبي أو في وسع المنطق أن يرفض تلك المزايا ويصغي إلى مقترحات أهل الكتاب بإنزال الكتاب مكتوباً جملة واحدة على غرار التوراة والإنجيل ؟!
٣. وربّما يفسر قولهم : ( حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ ) بأنّهم سألوا النبي أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتاباً يأمرهم الله تعالى فيه بتصديقه واتّباعه (١).
ونقله في الكشاف بقوله : ان ينزل كتاباً إلى فلان وكتاباً إلى فلان بأنّك رسول الله (٢).
ومن المعلوم انّ هذا السؤال يكشف عن تعنّتهم وعنادهم ، ولو قام به النبي ولبّى طلبهم ، لطمع الآخرون في ذلك وصارت النبوة إلعوبة بأيدي الناس.
__________________
(١) مجمع البيان : ٢ / ١٣٣.
(٢) الكشاف : ١ / ٤٣٤.