وأمّا الكلام في أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أين يحصل له هذا العلم ويكشف أحوالهم ، فهو خارج عن هذا البحث.
الثاني : إتمام الحجة على الكافرين المعاندين المغرضين حتى لا يقولوا يوم القيامة ولا يحتجّوا على الله سبحانه بأنّه ما جاءهم من بشير ولا نذير ، والمفروض أنّ تلك الغاية قد حصلت بالإتيان بسائر المعجزات التي جاء بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من غير اقتراح لما عرفت من أنّه يجب تزويد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتجهيزه بالمعاجز سواءً طابقت مقترحات قومه أو لا.
إنّ القارئ الكريم سيلمس تلك الحقيقة عند استعراض الآيات التي رفض النبي فيها إجابة الطالبين بالمعاجز ، فإنّ أكثرها واردة في ذلك المجال ، وانّه لم يكن غرض الطالبين الاهتداء والانتفاع بها ، بل كانوا يطلبونها لأغراض أُخر ، إمّا تعجيزاً للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بحسب أهوائهم أو تلاعباً بما سيصدر منه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الرابعة : انّ المعجزة نوع تصرف في العالم ، والنبي بماله من ولاية تكوينية مكتسبة منه سبحانه ، يقدر على التصرّف في الأكوان بأن يخلع صورة من المادة ويلبسها صورة أُخرى ، كما خلع موسى الكليم صورة العصا من مادتها وألبسها صورة الثعبان بإذن ربّه ، وكما بدّل المسيح الصورة الطينية إلى الصورة الطيرية ، كل ذلك بإذنه سبحانه ، وأمر منه ، وعند ذلك فليس لهم حرية مطلقة في الخلع واللبس والتنفيذ والتصرّف وإنّما يفعلون ذلك بإذن منه سبحانه ، قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ ) (١).
وبما أنّ هذه الآية تعد نفس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آتياً بالمعجزة ، تدلّ على أنّ الآتي بها والمتصرّف في الأكوان هو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلمبما له من روح قدسية يقدر معها على ذلك الأمر.
__________________
(١) الرعد : ٣٨.