لم يكن لشيء من الأشياء أن يتوسط في تدبير أمر من الأمور ـ وهو الشفاعة ـ إلاّ من بعد إذنه ، تعالى ، فهو سبحانه هو السبب الأصلي الذي لا سبب بالأصالة دونه وغيره من الأسباب أسباب بتسبيبه وشفعاء من بعد إذنه ، وإذا كان كذلك كان الله تعالى هو ربكم الذي يدبر أمركم لا غيره مما اتخذتموه أرباباً من دون الله وشفعاء عنده وهو المراد بقوله : ( ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) أي لماذا لا تنتقلون انتقالاً فكرياً حتى تفهموا أنّ الله هو ربكم لا ربَّ غيره (١).
المراد من هذا الصنف هو قيام قيادة الأنبياء والأولياء والأئمّة والعلماء والكتب السماوية مقام الشفيع والشفاعة في تخليص البشر من عواقب أعماله وآثار سيئاته.
وتوضيح ذلك : أنّه إذا كانت نتيجة الشفاعة المصطلحة يوم القيامة هي تخليص العصاة من عواقب أعمالهم ، وآثار معاصيهم وأفعالهم ، فإنّ قيادة الأنبياء والأولياء والكتب السماوية والعلماء وأقلامهم تقوم بنفس هذا العمل.
غير أنّ الفرق بين الشفاعتين واضح فإنّ الشفاعة المصطلحة توجب رفع العذاب عن العبد بعد استحقاقه له ، وهذه الشفاعة توجب أن لا يقع العبد في عداد العصاة حتى يستحق.
وإن شئت قلت : إنّ الشفاعة الأولى تخلّص العبد بعد زلته وعثرته وبعد وقوعه في المهالك والمهاوي ، ولكن الشفاعة القيادية تمنع من وقوع العبد في المهالك وزلته إلى المهاوي ، فالأولى من قبيل الرفع ، والثانية من قبيل الدفع ، والفرق بينهما واضح ، فإنّ الرفع يمنع المقتضي عن التأثير بعد وجوده ، والدفع
__________________
(١) الميزان : ١٠ / ٦ ـ ٧.