لم يكن لشيء من الأشياء
أن يتوسط في تدبير أمر من الأمور ـ وهو الشفاعة ـ إلاّ من بعد إذنه ، تعالى ، فهو
سبحانه هو السبب الأصلي الذي لا سبب بالأصالة دونه وغيره من الأسباب أسباب بتسبيبه
وشفعاء من بعد إذنه ، وإذا كان كذلك كان الله تعالى هو ربكم الذي يدبر أمركم لا
غيره مما اتخذتموه أرباباً من دون الله وشفعاء عنده وهو المراد بقوله : ( ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) أي لماذا لا تنتقلون انتقالاً فكرياً
حتى تفهموا أنّ الله هو ربكم لا ربَّ غيره .
٢. الشفاعة القيادية
المراد من هذا الصنف هو قيام قيادة الأنبياء
والأولياء والأئمّة والعلماء والكتب السماوية مقام الشفيع والشفاعة في تخليص البشر
من عواقب أعماله وآثار سيئاته.
وتوضيح ذلك : أنّه إذا كانت نتيجة
الشفاعة المصطلحة يوم القيامة هي تخليص العصاة من عواقب أعمالهم ، وآثار معاصيهم
وأفعالهم ، فإنّ قيادة الأنبياء والأولياء والكتب السماوية والعلماء وأقلامهم تقوم
بنفس هذا العمل.
غير أنّ الفرق بين الشفاعتين واضح فإنّ
الشفاعة المصطلحة توجب رفع العذاب عن العبد بعد استحقاقه له ، وهذه الشفاعة توجب
أن لا يقع العبد في عداد العصاة حتى يستحق.
وإن شئت قلت : إنّ الشفاعة الأولى تخلّص
العبد بعد زلته وعثرته وبعد وقوعه في المهالك والمهاوي ، ولكن الشفاعة القيادية
تمنع من وقوع العبد في المهالك وزلته إلى المهاوي ، فالأولى من قبيل الرفع ،
والثانية من قبيل الدفع ، والفرق بينهما واضح ، فإنّ الرفع يمنع المقتضي عن
التأثير بعد وجوده ، والدفع
__________________