كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ * مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ * وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) (١).
نرى أنّ أعداء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رموا قرآنه ومعجزته الكبرى بكونه أضغاث أحلام وتجاوزوا ذلك فاعتبروها فرية اختلقها ونسبها إلى الله سبحانه ، ثم استقر رأيهم على أنّه قول شاعر ، وهذا قول المتحيّر الذي بهره ما سمع فمرّة يقول : « حلم » وتارة يقول : « فرية » ، وأُخرى بأنّه : « شعر » ولا يجزم على أمر واحد من هذه الأمور ، فلأجل ذلك يعرض عن الجميع ويستدعي أن يأتي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إليه بآية كما أتى الأوّلون من الأنبياء مثل الناقة والعصا.
ذلك مبلغهم من العلم والدرك ، والقرآن يصف نفسه بأنّه : ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ ) (٢).
وعندئذ يجب أن نستمع إلى ما يجيبهم القرآن تجاه هذا الاقتراح ، فأجابهم بوجوه :
١. إنّ قوله ( مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) مشيراً إلى أنّه لم يؤمن قبل هؤلاء الكفار من أهل قرية جاءتهم الآيات التي طلبوها أفهم يؤمنون عند مجيئها ، مصرحاً بحالهم وأنّ سبيلهم سبيل من تقدم من الأمم الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنّهم يؤمنون عندها ، فلمّا جاءتهم نكثوا وخالفوا ، فلو أعطينا لهؤلاء ، أيضاً ما يقترحون لكانوا أنكث من هؤلاء فهل في هذه الحال يصح أن يقوم النبي بالإعجاز والإجابة على الطلبات والاقتراحات ؟
٢. انّ قوله : ( إلاّ أهلكناهم ) اشارة إلى أنّهم لو خالفوا ولم يؤمنوا بعد
__________________
(١) الأنبياء : ٥ ـ ٨.
(٢) العنكبوت : ٤٩.